آكوينيت .. مركز الإشعاع الروحى ومهد شيخ الصوفية الثائر فى وجه الخرافة والتحريف (*)

آكوينيت ليست مجرد بلدية ريفية بالحوض الشرقى، ولا مجرد مركز حضرى بالمنطقة الواقعة بين النعمة وولاته، تمتاح من سدها الواقع بين ملتقى البطاح ومصب المياه القادمة من جبال المنطقة المحاذية أسراب الماشية والجوار القاطن فى الريف، إنها حاضرة العلم والزهد والتأثير العابر للولاية والمحيط المجاور.

الشيخ التراد ولد العباس ( نجم الطريقة القادرية بالمنطقة الشرقية خلال القرن العشرين)، هو الأب المؤسس لهذه القرية التي تأسس ربطها 1925 من طرف بعض أتباعه، قبل أن يتحول السد إلى قرية هادئة فى أعماق الصحراء الموريتانية سنة 1933. بعدها انتقل الرجل الزاهد الشيخ التراد ولد الهعباس من منقطة "بوسطة " بمقاطعة تمبدغه إلى الموقع الذى أختاره هو وتلاميذه من أجل الإقامة والإستقرار بشكل نهائى.

 

"أنيفنكه" فى السودان الفرنسى (جمهورية مالى حاليا) كانت احدى المحطات الحاسمة فى تاريخ الشيخ التراد ولد العباس، ففيها تشكل وعيه، وفيها درس العلوم الإسلامية، قبل أن يعود إلى الحوض، وهو أنذاك تحت الإدارة الإستعمارية الفرنسية، ليخوض حربه ضد الفقه البدوى الذى كان يجتاح المنطقة، حيث كان من أوائل الداعين إلى إقامة الجمعة بموريتانيا، رافضا حجج الرافضين بدعوى غياب الأمن، أو انعدام الإستقرار فى عالم تميزت حياته بالتنقل بين مناهل المياه ومناطق الرعي فى الجنوب والشمال.

شكلت قرية آكوينيت انطلاقة حقيقة لإشعاع الرجل بالمنطقة، وتأثيره الذى عم منطقة الحوض عموما، ومقاطعة النعمة على وجه الخصوص، رافضا ماصاحب الطرق الصوفية من بدع وتأويل للنصوص، وتقديس للأولياء، واللجوء إليهم عند الكرب أو الإستشفاء، لقد كان فقيها ملتزما، وصوفيا زاهدا، وكان رجل إصلاح يقاوم تحريف البعض للكلم عن مقاصده. لقد كان الشيخ التراد ولد العباس بالفعل، سلفي العقيدة، صوفي المنهج، قائد بمنطق العصر.

كرس حياته لتعليم القرآن وتدريس الفقه الإسلامى، حيث أقام محظرته الشهيرة بآكوينيت سنة 1933 بالتزامن مع استقراره بالقرية، وهو ماشكل عامل استقطاب للكثير من أبناء المنطقة.

عاش الشيخ التراد ولد العباس 12 سنة بقريته الوادعة فى أدغال الشرق الموريتانى، قبل أن يغادر إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، وفى الطريق توفى في العاصمة السينغالية دكار،وبها دفن، بناء على الوصية التى ألزم بها أبنائه، وبها ألتزموا بعد رحيله، وهي الدفن حيث توفي عليه رحمة الله.

قرية آكوينيت اليوم ليس منطقة صحراوية فحسب، إنها منطقة سياحية من الدرجة الأولى بالحوض الشرقى، وإليها تفهوا قلوب أهل الثروة الحيوانية فى كل الفصول بحكم المياه الوفيرة التى يوفرها السد منذ تأسيسه، وفيها لأهل الزراعة مكان مضمون،حيث يستثمر السكان فى الخضروات وزراعة النخيل. 

وبحسب الإحصائيات الرسمية يوجد فى بلدية آكوينيت أكثر من 200 مزارع، وفيها ثلاث مساجد ومحظرة، وعند الناحية الجنوبية من السد توجد عدة مناطق سياحية.

 

متابعة آوكار نيوز