قال الرئيس محمد ولد الغزواني، إن موريتانيا لن تكسب حربها على الفساد إلا إذا جعلتها حربا مجتمعية، بقدر ما هي حرب مؤسسية، قائلا: "فلنكن، جميعا، يدا واحدة عليه".
وأضاف ولد الشيخ الغزواني خلال خطابه الليلة البارحة بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لعيد الاستقلال الوطني، رمي الجميع به، اعتباطا، من غير دليل ولا قرينة، يرفع الحرج الاجتماعي عن المفسد، ويحمله على التمادي، ويدفع الأفراد إلى استسهال الفساد، والمجتمع إلى التعايش معه وتقبله".
وجاء في خطاب الرئيس ما مصه:
“أيها الموريتانيون أيتها الموريتانيات؛
السلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته.
أُحييكم جميعا، أينما كنتم، داخل وطننا العزيز أو خارجه، بتحية الكرامة والعزة والإباء، مباركا لكم، الاحتفاء، غدا، بالذكرى الخامسة والستين لعيد استقلالنا الوطني المجيد.
إنها المناسبة التي كلما تجددت استثارت ورسخت، في وجداننا الجمعي، ذكرى تضحيات رجال مقاومتنا الأبطال، الذين ما ضنوا على وطنهم بغال أو نفيس، في مواجهة المستعمر لاستعادة حريتنا وصون هويتنا الثقافية والحضارية.
لقد كانوا تجسيدا حيا لأسمى معاني عزة الأوطان وما تستلزمه من دائم الاستعداد للتضحية والفداء.
فلنترحم عليهم جميعا وعلى شهداء قواتنا المسلحة وقوات أمننا التي نتوجه، من هذا المنبر، لسائر أفرادها، ضباطا وضباط صف ورتباء، بتحية العرفان بالجميل لجسيم تضحياتهم، حيث ما دعاهم واجب الذب عن أمن الوطن والمواطن.
مواطني الأعزاء؛
لقد استعادت بلادنا في الثامن والعشرين من نوفمبر، حريتها وكرامتها بجلاء المستعمر، وأعلنا، في الآن ذاته، قيام دولتنا الحديثة: الجمهورية الإسلامية الموريتانية، لتكون الإطار الذي نعمل من خلاله على أن نحقق لأمتنا، وبنحو مستدام، ما تطمح إليه كل أمم وشعوب العالم من أمن، وحرية، وعيش كريم.
ولقد كان هذا الإعلان بمثابة تحد فائق التعقيد والجسامة، نظرا لما يتطلبه من بناء دولة قانون ومؤسسات ومن تحقيق تحولات اجتماعية، وسياسية، واقتصادية عميقة، لم يكن مجتمعنا مهيأ، بما فيه الكفاية، لبعض تداعياتها.
صحيح أن بلادنا تمكنت، بفضل الله وقوته، وبفعل الجهد التراكمي لأجيالها المتعاقبة، من تحقيق العديد من الإنجازات على طريق إحراز هذا الهدف، لكن التحديات جسيمة، ولا يزال ثمة الكثير من العمل لازما لرفع ما استجد منها وما لا يزال قائما من قديمها.
ولقد شكل رفع هذه التحديات شغلنا الشاغل منذ الوهلة الأولى لتولينا مقاليد الحكم، فعكفنا على معالجة كبريات القضايا الوطنية، من قبيل ترقية الخدمات الأساسية والبنى التحتية، وإجراء ما يتطلبه، من إصلاحات، وضع اقتصادنا على منحى تصاعدي، مع التركيز على تحسين ظروف عيش المواطنين، وتعزيز اللحمة الاجتماعية والوحدة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، وتطوير وتحسين نجاعة الحكامة السياسية، والاقتصادية، والإدارية عموما.
وسلكنا، في سبيل ذلك، عن وعي وقناعة، نهج انفتاح، وتشاور، وإصغاء، ويد ممدودة، شاركنا إياه العديد من الأطراف السياسية، وقادة الرأي، والفاعلين الاجتماعيين والتنمويين.
وإدراكا مني، لأهمية الحوار في الحكامة وتدبير الشأن العام، ولكونه مطلبا دائم التجدد لدى الطبقة السياسية عموما، ضمنت برنامجي “طموحي للوطن” وعدا بتنظيم حوار جامع لا يستثني أحدا، ولا موضوعا.
وقد دعوت لهذا الحوار، مؤخرا، لأني رأيت الظرف مناسبا: فلا نحن في فترة التجاذبات السياسية التي تستدعيها غالبا الاستحقاقات الانتخابية، ولا بلدنا يمر بأزمة سياسية أو اقتصادية ضاغطة قد يظن أنا نسعى لتجنب بعض تداعياتها السياسية أو الاجتماعية.
فليس ثمة، مبدئيا، ما قد يعيق عقد هذا الحوار أو يعكر صفوه، ومن المستغرب كثيرا ما يحس، هنا وهناك، من سعي لمقايضة المشاركة فيه، مع أنه مطلب عام وركن أساس في أي محاولة جادة لبناء إجماع وطني حول أبرز التحديات التي تواجه بلدنا.
وأيا تكن دوافع هذا السعي فإننا، فيما يخصنا، ماضون فيما تعهدنا به. وكما أعلنتها من قبل، وأجددها اليوم، أريد حوارا جديا وشاملا وصريحا، ولن أدخر جهدا في أن تكون ظروفه ملائمة ومخرجاته متميزة، مضمونة التنفيذ. وفي هذا الإطار عينا منسقا عهدنا إليه بالتواصل مع جميع الأطراف لوضع خارطة طريق تشاركية لهذا الحوار المزمع عقده؛ وقد سلمنا، مؤخرا، تقريره النهائي حول المرحلة التحضيرية. وسيعرض هذا التقرير في الأيام القادمة على سائر الفرقاء ليتسنى لهم تقديم ما يرونه مناسبا من إضافة أو حذف أو إعادة صياغة.
إن هذا الحوار، إذا ما انعقد، سيشكل فرصة تتاح للجميع من أجل إجراء مراجعة شاملة، في هدوء وسكينة، لمجمل التحديات التي تواجه الوطن.
وإنني لآمل، أن يشارك فيه الجميع، وأن تطرح خلاله كل المسائل الجوهرية.
أيها الموريتانيون أيتها الموريتانيات،
لقد كانت هذه السنة الأولي من مأموريتنا الثانية، عبارة عن جهد متواصل لتعزيز وتطوير ما تحقق في المأمورية الأولى، استطعنا، بفضله، إحراز نتائج معتبرة على مختلف المستويات، وعلى رأسها تعزيز الوحدة الوطنية، واللحمة الاجتماعية، ومكافحة الفقر، والغبن، والهشاشة.
وعلى هذا الصعيد، بالذات، تمت زيادة الإنفاق الاجتماعي بما يناهز 40 مليار أوقية قديمة، برسم السنة الجارية، وهو ما مكن من استمرار تحمل الدولة لتكاليف التأمين الصحي لمائة ألف أسرة فقيرة، وإدراج الوالدين وجميع طلاب التعليم العالي في التأمين الصحي، علاوة على مواصلة التحويلات النقدية لصالح ما يناهز 140 ألف أسرة فقيرة، واعتماد آلية لتثبيت الأسعار دعما للقدرة الشرائية للمواطنين الأقل دخلا.
كما عملنا على تضميد جراح الماضي، وعلى التخلص من رواسب الموروث الثقافي البائد، بتعزيز دولة القانون والمؤسسات، فكرسنا الفصل بين السلطات واستقلالية بعضها عن بعض، وعززنا منظومتنا العدلية عبر تنفيذ الوثيقة الوطنية لإصلاح وتطوير العدالة التي تتضمن إجراءات تعزز مكانة القضاء واستقلاليته.
ونحن مصرون على تعزيز استقلالية القضاء وتحصينه في وجه المسلكيات التي قد تضر بصورته أو هيبته أو استقلاليته، ولا أدل على ذلك مما هو قيد التنفيذ من تحيين مدونة أخلاقيات وسلوكيات القضاة، وكتاب الضبط، والمهن القانونية الأساسية.
مواطني الأعزاء،
إن مكافحة الفقر والهشاشة لتعزيز اللحمة الوطنية، تمر حتما بتحسين الخدمات العمومية من حيث الشمول والجودة. وعلى هذا المستوى تواصل العمل على ترقية وترسيخ المدرسة الجمهورية، فروجعت وحينت البرامج التربوية لتكون المدرسة أكثر قدرة على أن ترسخ لدى الناشئة قيم المواطنة والمدنية، في انسجام كلي مع ضوابط هويتنا الدينية والحضارية.
كما تواصل تعزيز القدرة الاستيعابية، ببناء وتجهيز 1200 حجرة دراسية وترميم 2250 حجرة أخرى، وكذلك بالتوسع في توفير الدعامات التربوية وبتعزيز الطاقم التدريسي ب 3743 مدرسا ما بين مكتتبين ومقدمي خدمة.
هذا، بالموازاة مع جهد كبير في سبيل تعزيز سلك التعليم الإعدادي والثانوي من حيث البنى التحتية، والطواقم التدريسية، والبرامج التعليمية.
وفي ذات السياق، تمكنا من إيصال الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم العالي الوطنية إلى ما يناهز هذه السنة 50 ألف طالب، بإكمال بناء مقر جديد للمدرسة الوطنية للإدارة، ومدرسة الرقمنة، والمعهد العالي للتجارة والأعمال، وبفتح جامعة انواذيبو، وتوسعة المعهد العالي الفني في روصو. وستبدأ قريبا الأشغال في مدرستي، البيطرة في النعمة، والزراعة في كيهيدي، ومعهدي تعليم عال في كيفة وتجكجة.
كما رفعنا الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم الفني والتكوين المهني، بحيث وصلت أكثر من 20 ألف طالب برسم السنة الجارية، وذلك بفضل تشييد وإعادة تأهيل وتجهيز عشرات مؤسسات التكوين المهني، ولايزال العمل جار في بناء مدرسة التعليم الفني والتكوين المهني لتقنيات الإعلام والاتصال بنواذيبو.
أما على مستوى خدمتي الكهرباء والماء، فقد استطعنا تحسين العرض الكهربائي من خلال ربط مناطق الإنتاج بالشبكة الكهربائية، بفضل اكتمال الأشغال في مشروع تزويد مناطق الإنتاج الزراعي في الضفة بالكهرباء.
وسيتحسن الوضع، بحول الله، بفعل ما نعمل على إنجازه من مشاريع كبيرة، كمشروع خط كهرباء نواكشوط – أزويرات بجهد 225 كيلو فولت، ومشروع تمديد شبكة الجهد المتوسط بين كهيدي وسليبابي، وخط كهرباء متوسط الجهد بين سليبابي وكيفة، تستفيد منه القرى الواقعة على هذا الخط، ومشروع تعزيز البنية التحتية الكهربائية لـ 50 مقاطعة الذي أوشكت مرحلته الثانية على نهايتها.
وتجري الأعمال، حاليا، في توسعة محطة الطاقة المزدوجة في نواكشوط بقدرة 72 ميغاوات، وكهربة 481 قرية في كل من اترارزة، ولبراكنة، وغورغول، وكيديماغا، والعصابة، ومكونة الكهرباء في برنامج تنمية نواكشوط التي تشمل 150 كيلومترا من الجهد المنخفض وما يزيد على 160 كم من الجهد المتوسط و215 كيلومترا من الإنارة العامة، و40 محطة محولات، وكذلك مكونة الكهرباء من البرنامج الاستعجالي لتعميم النفاذ للخدمات الأساسية للتنمية المحلية، التي تتضمن: اقتناء 28 مولدا لدعم الإنتاج، وكهربة 393 منطقة ريفية، وتوسيع 60 شبكة كهربائية.
وستنطلق الأشغال قريبا، بحول الله، في بناء محطة طاقة شمسية وهوائية بقدرة 60 ميغاوات، مزودة بنظام لتخزين الطاقة، وذلك في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص.
وقد جرى التوقيع على اتفاقية تمويل تهدف إلى تهجين عشر محطات في الداخل، بما من شأنه أن يخفض من تكلفة تشغيلها..
ويجري العمل على التحضير للمناقصات الخاصة بخط الأمل عالي الجهد بقدرة 225 كيلوفولت، الرابط بين نواكشوط والنعمة وسيرافق هذا الخط إنشاء محطة شمسية بقدرة 50 ميغاواط سيتم بناؤها في مدينة كيفة، إضافة إلى كهربة المناطق المجاورة لهذا الخط.
وستتواصل الجهود لتنفيذ برنامج طموح، في إطار شراكة بين القطاعين العام والخاص، سيسمح بالنفاذ الشامل لهذه الخدمة الأساسية، أهم مكوناته: محطة لتوليد الكهرباء من غاز آحميم بقدرة 225 ميجاوات، ومحطة لتوليد الكهرباء من غاز باندا بقدرة 300 ميغاواط.
أما بخصوص المياه، فقد كثفنا العمل لحل مشاكل مياه الشرب بفضل برنامج طموح يهدف إلى مضاعفة إنتاج مشاريع المياه الكبيرة التي كانت قائمة.
وهكذا، تم إكمال توسعة مشروع بولنوار، فانتقل إنتاجه من 16 ألف إلى 26 ألف متر مكعب، ومشروع آفطوط الشرقي، الذي بلغ إنتاجه 15 ألف بدل 5 آلاف متر مكعب. وعلاوة على ذلك تم إنشاء محطة لتحلية المياه في انواذيبو بقدرة 5 آلاف متر مكعب، ووحدة ترسيب في بني نعجي لمعالجة ظاهرة الطَّمي.
ويتواصل العمل حاليا، في مشروع اديني لرفع إنتاجه إلى 100 ألف متر مكعب قبل نهاية 2026 إن شاء الله، ومشروع آفطوط الساحلي الذي بلغت قدرة إنتاجه حاليا 150 ألف متر مكعب عملا على أن يصل 225 ألف متر مكعب في أفق 2028.
كما أطلقنا مشاريع أخرى كبيرة مثل: مشروع تزويد 165 تجمعا سكنيا في ولايات لبراكنة ولعصابة انطلاقا من النهر. ويجري التحضير لإطلاق الأشغال في مشروع تزويد الخط كري- كيفه بالمياه انطلاقا من النهر، وتوسعة مشروع اظهر، لرفع إنتاجه من 10 آلاف إلى 20 ألف متر مكعب.
وإضافة لكل ما تم إنجازه من نقاط مياه، تم إطلاق برنامج واسع سيسمح بإنجاز 1000 حفر جديد في الفترة 2025-2027، تم في إطاره الانتهاء من ما يناهز 200 حفر.
كما انطلقت الدراسات لاستكشاف المياه الموجودة على عمق 500 م.
وفي إطار استغلال المياه السطحية انطلقت دراسة المرحلة الثالثة من آفطوط الشرقى لتغطية مناطق جديدة تقع في منطقة الحوض الجاف، ويجري الآن تحيين دراسة الجدوائية تمهيدا لإطلاق تنفيذ سدين كبيرين جدا في الحوض الغربي وكيدماغا.
ونظرا لأن البنى التحتية للنقل الطرقي لا تقل أولوية، لدى الساكنة، عن بقية الخدمات الأساسية الأخرى، بذلنا في سبيل تعزيزها جهودا كبيرة، تجسدت، من جهة، في بناء وترميم ما يناهز 1000 كلم من المقاطع الطرقية تتضمن إعادة تأهيل طريق الأمل ليصبح، ولأول مرة، سالكا على طول الخط.
كما تم، برسم السنة الجارية، بناء جسر الصداقة بنواكشوط، إضافة إلى إطلاق مكونة فك العزلة عن عشرات القرى في ثمان ولايات ضمن البرنامج الاستعجالي لتعميم النفاذ إلى الخدمات الضرورية للتنمية المحلية.
تجري الأعمال حاليا على تنفيذ، ما يزيد على 750 كلم.
كما ستنطلق الأشغال في تنفيذ 800 كلم أخرى تشمل طرق: تمبدغة – بوسطيلة – عدل بكرو، والطينطان – عين فربة – اطويل، واركيز – البزول، وباركيول – امبود، هذا بالإضافة إلى إعادة تأهيل وترميم طرق روصو-بوكي، واكجوجت – أطار، وانواكشوط – انوذيبو، وكيهيدي-سيلبابي.
ومثل هذه الجهود بذل في سبيل تعزيز الخدمة الصحية من حيث الجودة والشمول، فقد تم خلال السنة الجارية الانتهاء من توسعة وتجهيز مستشفى التخصصات وتوسعة مركز الاستطباب الوطني، وبناء وتجهيز 14 مركزا صحيا، و137 نقطة صحية.
كما ستكتمل الأشغال، خلال الأسابيع والأشهر القادمة، في بناء وتجهيز مستشفيات تجكجة ولعيون وألاك، إضافة إلى أكثر من 40 مركزا صحيا و100 نقطة صحية.
وقد بدأت الأشغال في بناء المستشفى الجامعي الملك سلمان بن عبد العزيز، ومستشفيين جهويين في ازويرات وأكجوجت، وترميم وتوسعة وتجهيز مستشفى الشيخ زايد والمركز الاستشفائي بانواذيبو.
وستبدأ قريبا أعمال ترميم وتوسعة مستشفى الصداقة وتوسعة المركز الوطني لأمراض القلب.
وقد هيئت مناقصات بناء وتجهيز ثلاث مستشفيات في كل من امبود والطينطان، ومقطع لحجار.
وينضاف إلى كل ذلك بناء وتجهيز وتأهيل 42 مركزا صحيا، وبناء وتأهيل 110 نقاط صحية، في إطار البرنامج الاستعجالي للنفاذ إلى الخدمات الأساسية للتنمية المحلية.
وما كنا لنحرز كل هذه النتائج لولا أن اقتصادنا استمر، بحمد لله، على منحاه التصاعدي، مدفوعا بالإصلاحات الهيكلية التي تم اعتمادها، وبالديناميكية التي طبعت القطاعات الإنتاجية ذات الأولوية، والتي ساعدت في تحقيق معدلات نمو معتبرة، مع المحافظة على استدامة الإطار الاقتصادي الكلي والتوازنات المالية الكبري.
فمن المتوقع أن ينمو اقتصادنا الوطني سنة 2025 بمعدل يناهز 4,5%، وأن يبقي معدل التضخم تحت حاجز 2%.
وقد ساعدت هذه الديناميكية الإيجابية في تحسن المؤشرات الأساسية للمالية العامة، حيث ستزيد موارد ونفقات ميزانية 2026 بأكثر من 10%، وسيبقي العجز الميزانوي في حدود 3,5%، وستستمر نسبة الدين العام في منحناها التنازلي، حيث ستنتقل من 45,2% سنة 2025 إلى 43,3% سنة 2026.
وقد ساعد، في كل ذلك، استمرارنا في تعميق الإصلاحات الهيكلية الضرورية لتحرير الاقتصاد، وتشجيع الاستثمار، وتكثيف العمل لتطوير قطاعاتنا الإنتاجية ذات الأولوية.
ولا يخفى عليكم، مواطني الأعزاء، أن نجاعة الجهود الإنمائية متوقفة على رشد الحكامة، بما يقتضيه من محاربة جادة ومسؤولة لداء الفساد بمختلف صنوفه وأشكاله: المالية، والإدارية، والسياسية، والاجتماعية.
لذا، قوينا ترسانة مكافحة الفساد باعتماد قوانين جديدة تتعلق بتعزيز إلزامية التصريح بالممتلكات، وأكدنا على مواصلة نشر تقارير هيئات الرقابة والتفتيش، ونفذنا، بصرامة، توصياتها، وأنشأنا السلطة الوطنية لمكافحة الفساد. كما عززنا نظامنا العدلي وكرسنا استقلاليته بترسيخ الفصل بين السلطات، وواصلنا إصلاح الإدارة، وتوسعنا في رقمنة الخدمات.
ونحن مصرون على تعزيز مكافحة الفساد، بنحو مؤسسي مسؤول، لا تتحول معه مكافحة الفساد إلى فساد، بفعل تصفية الحسابات أو الانتقائية، أو المحاباة.
يجب أن نعي جميعا أن الترويج لفكرة كون الفساد عاما وشاملا، وكذلك رمي الجميع به، اعتباطا، من غير دليل ولا قرينة، يرفع الحرج الاجتماعي عن المفسد، ويحمله على التمادي، ويدفع الأفراد إلى استسهال الفساد، والمجتمع إلى التعايش معه وتقبله، وفي ذلك من إضعاف نجاعة مكافحته ما لا يخفى.
لن نكسب حربنا على الفساد إلا إذا جعلناها حرب مجتمعية بقدر ما هي حرب مؤسسية. فلنكن، جميعا، يدا واحدة عليه.
مواطني الأعزاء،
إن إحدى ركائز التنفيذ الناجع لما نعمل عليه من إصلاحات ومشاريع هي إدارتنا العمومية. ولذا بذلنا في سبيل تطويرها وعصرنتها وتقريبها من المواطن جهدا كبيرا. كما عملنا على تعزيز قدراتها وضخ دماء شابة في مختلف مرافقها. وفي هذا الإطار، سيشرع في الأسابيع القادمة في عملية اكتتاب، هي الأوسع من نوعها، لحوالي 3000 من شبابنا.
وسيشمل هذا الاكتتاب الأساتذة الجامعيين، والأطباء، والمساعدين الطبيين، والقضاة، وكتاب الضبط، والقانونيين، والإداريين، والاقتصاديين، وضباط، وأعوان الجمارك.
كما سيشمل هذا الاكتتاب المهندسين من تخصصات مختلفة: مثل المعلوماتية، والإحصاء، والهندسة المدنية، والعمران، والمياه، والكهرباء.
كما سيتم أيضا في إطار هذا الاكتتاب، تعزيز قدرات الإدارة العمومية باكتتاب مئات العمال في مجالات مختلفة.
وحرصا منا علي تحسين ظروف عمال الدولة، عمدنا في السنوات الماضية، كلما سمحت الظروف المالية بذلك، إلى زيادة الأجور بشكل شامل أو لمصلحة فئة معينة.
كان آخر إجراء بهذا الشأن ما قررناه السنة الماضية بزيادة روات الجنود، والوكلاء، وضباط الصف.
ووفاء لنفس النهج، قررنا هذه السنة، وابتداء من فاتح يناير 2026، زيادة لرواتب مدرسي ومفتشي التعليم الأساسي، والثانوي، والفني، وأفراد القوات المسلحة وقوات الأمن ب 10000 أوقية قديمة.
كما قررنا، تحفيزا للطواقم التدريسية بالفصول، زيادة علاوة الطبشور ب 20000 أوقية قديمة.
أيها الموريتانيون أيتها الموريتانيات،
إن احتفاءنا بقيام دولتنا المستقلة هو، في جوهره، احتفاء بميلاد رابط جديد، يجمع سائر مكونات مجتمعنا، على اختلافها وتنوعها، ويجعل منها أمة وشعبا موحدا: إنه رباط المواطنة: الرباط الذي عليه مدار الحقوق والواجبات، والذي، كلما قوي وترسخ، تعززت الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية.
ولذا، أدعوكم، مجددا، إلى جعله الأساس الأول لعلاقاتكم فيما بينكم، وعلاقاتكم مع مؤسسات الدولة.
وأُعاهدكم على أن الدولة لن ترتب حقا ولا واجبا إلا على أساس المواطنة حصرا، وستعمل، بقوة، على منع الروابط الأخرى، قبلية كانت أو عرقية أو شرائحية، من أن تؤثر سلبا على قوة رباط المواطنة.
فبذلك، وبه فقط، نضمن قوة وحدتنا الوطنية ولحمتنا الاجتماعية، اللتين لا غنى عنهما في بناء موريتانيا التي نطمح إليها جميعا، موريتانيا الإخاء، والعدالة، والحرية، والنماء.
عشتم وعاشت موريتانيا، آمنة، مستقرة ومزدهرة.
أشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.
الرئيس غزواني: موريتانيا لن تكسب حربها على الفساد إلا إذا جعلتها حربا مجتمعية