مع بداية مأموريته الثانية: هل يتجه ولد الشيخ الغزواني شرقا لتعزيز نظامه (تقدير موقف)

أعلن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، استعداد بلاده لإقامة تنسيق مستمر مع موريتانيا في شؤون السياسة الخارجية بما يضمن الأمن والاستقرار في منطقة الصحراء والساحل وعموم إفريقيا.

جاء ذلك في برقية تهنئة بعثها لافروف لنظيره الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك بمناسبة الذكرى الستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين نواكشوط وموسكو.

 

برقية لافروف ليست الأولي وقد لا تكون الأخيرة في مسار آخذ بالتشكل منذ أشهر، بعدما تفاقمت أوضاع المنطقة وأحس الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بخذلان الأوربيين لحكمه، وتراجع الصورة العامة لفرنسا وحلفائها في المنطقة، وعجز الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وباريس عن الوقوف في وجه قرارات رؤساء دول هشة وضعيفة كالنيجر وبوركنا فاسو، مع العودة المحتملة للخطاب الشعبوي للولايات المتحدة الأمريكية مع الرئيس أترامب، والضغوط الأمريكية المحتملة على حلفائها بدل الوقوف إلى جانبهم، كما هو معروف من تجربة المأمورية الأولي للرئيس أترامب في البيت الأبيض، وذلك لتحقيق مكاسب مالية للولايات المتحدة الأمريكية وسياسية لحليفتها إسرائيل دون اعتبار لواقع الحلفاء أو تداعيات الخطاب الأمريكي على صورة الحكام المتحالفين معها في الداخل.

 

كما أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني – وهو خبيبر عسكري وأمني – يدرك جملة المخاطر التي تتهدد حلف النيتو في حالة عودة أترامب إلي البيت الأبيض، والتعثر الذى يواجهه الحلف في أوكرانيا رغم الإنفاق الهائل علي الحرب الأوكرانية الروسية، والخلاف بين بعض أعضاء الحلف البارزين حول العديد من النقاط والإشكالات العسكرية والأمنية في مشرق الأرض ومغربها، والمطامع الغربية في القارة الإفريقية، وبروز قوي جديدة تريد خلق بديل مقنع للأفارقة عن عقود الاستنزاف التي عانت منها شعوب القارة السمراء من الغرب عموما وفرنسا تحديدا.

 

 قبل أشهر قليلة حاول الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني مع دول الإتحاد الأوربي من أجل تسليح الجيش الموريتاني في ظل تزايد المخاطر بدول الساحل، وتطوير الشراكة بين موريتانيا وحلف شمال الأطلسي من أجل الإبقاء على التفوق العسكرى لموريتانيا داخل منظومة الساحل والصحراء ، لكن حماس الأوربيين لم يثمر سوى بعض اللقاءات المحدودة، والتعهد بمبالغ مالية لشراء معدات عسكرية وأمنية لقوة موريتانية متمركزة قرب أنبيكت لحواش بالشرق الموريتاني، ضمن مسار نوقشت فيه جهود البلاد في مجال الهجرة السرية واللاجئين والمخاطر الناجمة عن فشل الدولة المالية المجاورة.

 

لكن بالتوازي مع ذلك كانت نواكشوط تطرق أبواب الشرق وتحديدا الصين من أجل حلحلة الأمور، والبحث عن خيارات جديدة في عالم لا مكان فيه للضعيف.

 

ففي 28 يوليو 2023، التقى الرئيس الصيني شي جين بينغ بنظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني في مدينة تشنغدو الصينية، وكان اللقاء الثاني بينهما خلال ثمانية أشهر فقط. سبق للزعيمين أن التقيا في قمة الصين والدول العربية في السعودية في 9 ديسمبر 2022. ووقع الجانبان اتفاقية تعاون تشمل عدة مجالات مثل الزراعة وصيد الأسماك والطاقة الخضراء. وقدمت الصين مساعدة مالية بقيمة 21 مليون دولار لتخفيف الديون عن موريتانيا.

 

وبعد شهرين فقط حط وزير الدفاع حنن ولد سيدي في جمهورية الصين الشعبية، حيث عقد جلسة مشاورات مع نظيره الصيني الجنرال لي شانغ فو، لبحث تعزيز علاقات التعاون العسكري بين البلدين.

وحضر الاجتماع السفير محمد عبد الله ولد البخاري، ومدير التوثيق والأمن العسكري العقيد محمد عبد الله ولد بي، ومدير العلاقات الخارجية بوزارة الدفاع العقيد سيدي محمد ولد حمادي.


زيارة أثمرت نتائج إيجابية بحسب المعلن لاحقا، حيث أعلنت الرئاسة الموريتانية وفى بيان مصور اقتناء الجيش الموريتاني لأسلحة متطورة، وظهر الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني وهو يتفقد وحدات تابعة للجيش الموريتاني مرابطة بإحدى القواعد العسكرية دون الإعلان عن مكان القاعدة أو حجم الأسلحة الجديدة.

 

ولم يكشف بيان المكتب الإعلامي لرئاسة الجمهورية عن عدد المسيرات ولا عن طبيعتها ولا عن مصدرها أو البلد الذي تم شراؤها منه ولا عن التقنية التي تستخدمها، لكن بعض المصادر العسكرية اليوم تتحدث عن توريد الأسلحة المذكورة من جمهورية الصين الشعبية، وتدفع بعض وسائل الإعلام الموجهة في الإقليم إلى القول بأنها تمويل خليجي، بحكم المعلوم من علاقات الرجل وبعض الدول والوازنة في منطقة الشرق الأوسط.

 

وبحسب بيان الرئاسة الموريتانية تتكون الترسانة الجديدة على سبيل المثال لا الحصر من وحدات مدرعة وأخرى مدفعية ميدانية ووحدات مضادة للدروع وأخرى مضادة للطائرات وطائرات ومحطات رادار ومسيرات استطلاع وهجوم ذات فعالية عالية جدا وقادرة على تغطية كامل الحوزة الترابية الوطنية بما في ذلك المياه الإقليمية على مدار الساعة.

 

يدرك الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني – وهو المطلع على أوضاع القارة السمراء بحكم الموقع والتجربة- أن الأوضاع العالمية غير المستقرة تتطلب التوجه بالبلاد شرقا لتفادي نكسة سياسية أو أمنية أو اقتصادية باتت مصدر قلق لكل حكام المنطقة، في ظل وجود قوي غربية لا تريد غير مصالحها مع بخل شديد في الإنفاق الخارجي ، وعجز بين عن مواكبة الأوضاع المتغيرة بالقارة السمراء، وعقلية تعتمد الإبتزاز في معاملة الشركاء، وشرق يمتلك ما تحتاج إليه دولة من دول العالم الثالث مثل موريتانيا  (البترول / الغذاء ، والسلاح) وهي أشياء تحتاج إليها أي حكومة، لتأمين مصدر قوت مواطنيها وتأمين حدودها من هزات أمنية عصفت بدول كبيرة وأخري كانت آمنة ومستقرة، ناهيك عن مستوى العلاقات الضاربة في القدم بين البلاد والشرق وخصوصا جمهورية الصين الشعبية وحليفتها روسيا، وما يشكله ذلك أيضا من تقارب إقليمي بينها وبين أبرز جيرانها (الجزائر) حيث الثروة والاستقرار والتعامل المسؤول مع الجيران، والمصلحة المشتركة في انسجام الرؤي حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية.



 

سيد أحمد ولد باب / كاتب صحفى

[email protected]