ولد محمد غلام ولد الحاج الشيخ فى مقاطعة تمبدغه بولاية الحوض الشرقى (أقصى الشرق الموريتانى) وترعرع فى ضواحيها ، حيث تعلم القرآن والفقه فى محظرة الأهل ( أهل دهمد) ، قبل الانتقال للعاصمة نواكشوط من أجل إكمال الدراسة وتعزيز الحضور فى المشهد العام كواحد من الجيل الشبابى المفتون بالحركة الإسلامية الصاعدة فى أكثر من قطر عربى خلال العقود الأخيرة. وهو مسار لم يعمر طويلا بفعل الالتحاق المبكر بالعمل خارج البلاد ( الإمارات العربية المتحدة) ، لكن مافاته فى الداخل من التواصل مع النخب الموريتانية واكتساب المعارف حاول تعويضه فى الغربة، من خلال الاستفادة من العمل لبناء نفسه وأسرته، والغربة من أجل تعزيز مكانته وتكوين شخصيته العلمية والثقافية.
ظل ولد الحاج الشيخ – ككل أقرانه فى المشرق- يتردد على موريتانيا من وقت لآخر، وظلت علاقته بالمحيط الإسلامي فى ازدياد، مستغلا الراحة للتعليم والتكوين وخدمة المشروع الذى آمن به فى وطنه الأم، دون انقطاع فى الغربة عما يخدم الفكرة ويعزز أواصر الأخوة، قبل أن تغتال الإمارة الخليجية أحلام المفتونين بها، بفعل انزلاقها نحو منعرج القمع والملاحقة والإبعاد، وهو المنزلق الذى كان ولد الحاج الشيخ من أبرز ضحاياه، بعد أن تم اعتقاله لأكثر من ستة أشهر فى سجن سيء اثر أحداث الحادى عشر من سبتمبر، قبل إبعاده إلى موريتانيا وقطع علاقته بالمحيط الذى عاش فيه لبضع سنين.
فى موريتانيا تصدر محمد غلام ولد الحاج الشيخ واجهة الأحداث السياسية بموريتانيا إبان الأزمة التى تعرض لها التيار الإسلامي سنة 2003-2005 ، وكان أحد أبرز رموز التيار المطلوبين للأجهزة الأمنية بحكم إصراره على استمرارية المنابر التوجيهية بالمساجد المصادرة من قبل السلطة خلال الأزمة، وخصوصا "مسجد الذكر" الذى تحول إلى أهم معاقل الإسلاميين بالعاصمة نواكشوط ومحط أنظار الشرطة والمتعاونين معها من مناهضى الفكر الإخوانى خلال تلك الحقبة المظلمة من تاريخ البلد.
توج ولد الحاج الشيخ تحديه للسلطة يوم الخامس والعشرين من مايو 2005 عندما قرر النزول لقلب العاصمة نواكشوط من أجل قيادة الحراك الإحتجاجى المناهض لزيارة وزير الخارجية الإسرائيلي "سلفان شالوم" والذى كان التيار الإسلامي أبرز مناهضيه.
وقد ظهر ولد الحاج قرب وزارة الداخلية وهو محاط بالمئات من الشباب، مستغلا ملكاته الخطابية من أجل حشد الجموع وتأليبها ضد القرار الذى أتخذته الحكومة الموريتانية بشأن استمرار العلاقات مع الكيان الصهيونى، رغم المجازر التى أرتكبها فى لبنان وفلسطين واستمراره فى السياسة التوسعية داخل الأراضي المحتلة.
وقبلها أختار ولد الحاج الشيخ بعناية أهم المساجد بتفرغ زينه ليعلن أمام حشد من الناس، بينهم شقيق الرئيس معاوية ولد الطايع وكبار رجاله عن رفضه للزيارات الكرنفالية للداخل فى عز الصيف، واصفا زيارته الأخيرة لكيفه بأنه كاشفة لما آلت إليه الأمور موريتانيا، ومستعرضا نماذج مؤلمة من واقع الفقر والتهميش بموريتانيا، وهي الخطبة التى أججت مشاعر النظام ضده وألهبت مشاعر مناصريه، وأبكت العديد من رواد المساجد الفاخر فى يوم مشهود بتفرغ زينه.
غادر ولد الحاج الشيخ موريتانيا قبل الإطاحة بنظام العقيد معاوية ولد الطايع بعد التكلفة العالية لتأمينه مع آخرين من رموز التيار الذى ينتمى إليه، وتجول بين دول افريقية وعربية إلى غاية الإطاحة بالرجل الذى حكم البلاد لأكثر من 20 سنة مع كوكبة من رجال الجيش والسلطة وتحالف القبائل وبعض الحركيين من مختلف التوجهات السياسية التى عرفتها البلاد خلال العقود الأخيرة.
عاد الإمام والخطيب والداعية محمد غلام ولد الحاج الشيخ إلى موريتانيا بعد سقوط ولد الطايع مع رفاقه الذين غادروها رفضا لواقع أليم فرضه الرئيس بقوة السلاح والقمع، وتصدر واجهة التيار الإسلامي طيلة الفترة الإنتقالية مع عدد من رموز الحزب الحاليين. وبرز للساحة السياسية والفكرية بالبلد كخطيب مفوه فى المساجد وعلى كل منبر يتاح له وسياسى مكافح من أجل العدالة والمساواة، وداعية ينشد الخير فى رحاب الإيمان، مع رحلات داخلية وخارجية كان فيها أيقونة المشهد بكل تجلياته وأنموذجا يحتذى لدى شباب الصحوة المتحمس لخطيب يجمع بين العيش فى الحضر بكل أناقته والأصالة بكل مقتضياتها مع لغة جزل وأسلوب راقى، ساهمت فيه روائع المتنبى والبحترى وأبو تمام بشكل كبير.
شارك ولد الحاج الشيخ فى تأسيس " الإصلاحيين الوسطيين"، وخاض غمار التجربة الأولى للإسلاميين كتيار سياسى مستقل بذاته عن كل المكونات الحزبية فى البلد، وخاض انتخابات 2007 إلى جانب رفاقه دون أن يكون مرشحا فيها لأي مجلس بلدى أو مقعد نيابى، وكان التبشيير بالمنهج والمستقبل همه الأول، والدفع برفاقه إلى الجمعية الوطنية أو المجالس المحلية التى أنتدبوا لها غاية مبتغاه..
ومع دخول البلاد معركة الانتخابات الرئاسية أنحاز ولد الحاج الشيخ إلى القرار الذى أتخذته الجماعة (الإصلاحيين الوسطيين) بدعم المرشح صالح ولد حننا ، وتصدر حملة المرشح فى مجمل المناطق التى كلف بها، تماما كما خاض الحملة إلى جانب الرئيس محمد خونه ولد هيداله 2003 من أجل إرباك النظام القائم وخلط أواق العملية السياسية بموريتانيا بعد المحاولة الانقلابية يونيو 2003 .
ومع فوز المرشح سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله تمكن الرجل مع آخرين من نسج علاقة وازنة بالرئيس، أسست لمرحلة جديدة من تاريخ التيار الإسلامى، فمن جماعة محظورة وتيار مطارد إلى حزب شريك فى الساحة السياسية، بل وشريك فى الحكومة الثانية للرئيس سيدى محمد ولد الشيخ عبد الله دون أن يكون ولد الحاج الشيخ ممثلا فيها للحزب، تاركا المجال هو ورفيقه محمد جميل ولد منصور لأثنين من رموز الحزب ( حبيب ولد حمديت / محمد محمود ولد سييدي) ضمن تجربة لم تعمر طويلا بفعل الصدام المبكر بين الجيش والرئيس ووقوف الإسلاميين إلى جانب الشرعية الدستورية رغم اختلال موازين القوى بين فرقاء الساحة ساعتها.
تصدر محمد غلام ولد الحاج الشيخ واجهة الحزب المعارض كنائب للرئيس، وظل إلى غاية مؤتمره الثالث فى منصب الرجل الثانى فى الحزب بعد الرئيس المغادر بحكم النصوص القانونية محمد جميل ولد منصور.
قاد ولد الحاج الشيخ – بعد طول انتظار- لائحة المرشحين لمنصب نائب فى اللائحة الوطنية عن حزب تواصل ، وأنتخب فى البرلمان بعد حصول اللائحة على المرتبة الثانية فى موريتانيا.
تولى محمد غلام ولد الحاج الشيخ منصب النائب الثانى لرئيس الجمعية الوطنية بحكم الحصة الممنوحة للكتل المعارضة داخل البرلمان، وخسر زعامة المعارضة بعد أن تم منحها لعمدة من حزبه هو الزعيم الحالى للمعارضة الموريتانية الحسن ولد محمد .
يحظى ولد الحاج الشيخ بعلاقات وازنة داخل البلد وخارجه، وهو أحد أبرز رموز الحزب المنشغلين بالقضية الفلسطينية خلال الفترة الأخيرة، وفى سبيل رفع الحصار عن قطاع غزة المحاصر منذ انتخاب حماس غامر بحياته مع نزع من دول العالم من أجل فك الحصار عنها، قبل اقتحام سفينة "مرمرة" التى كان عليها واحتجازه من قبل الجيش الإسرائيلي مع عدد من المتضامنين العرب والأتراك.