لم يعرفوا الإستقرار منذ وصول الحوض بفعل الصراعات الدامية بين المجموعات القبلية من جهة، وظروف الترحال التى فرضت على ملاك الثروة الحيوانية الإنتجاع جنوبا نهاية فصل الصيف، والعودة إلى الباطن شمالا مع بداية فصل الخريف من كل عام.
وقد كان الفضاء الممتد من "تيمزين" جنوبا إلى "تيشيت" شمالا أبرز معاقل المجموعة القبلية القادمة قبل عقود قليلة من تكانت (جماعة أولاد البح)، وكانت بعض الأسر خارج المنظومة المحلية التى بدأت تأخذ مواقعها فى التجمع الجديد بتيمزين (أزمان أولاد البح)، بحكم الثروة الحيوانية التى تعتمد عليها، والنفور من المدينة بعد انهيار تجربة "كصر البركة" فى تكانت، وخروج العديد من الأسر إلى فضاء الحوض.
لايدرك "سيد أحمد ولد سيد الأمين البحي" الملقب (لكحل) تاريخ حفر البئر بالضبط، لكنه أدرك الرجال الذين حفروه لأول مرة بصحراء آوكار فى أربعينيات القرن الماضى ( باب أحمد ولد الحسن وسيداتي ولد الوداني)، خلال احدى جولات الترحال بين الشمال والجنوب، فى محاولة لتوفير المياه الصالحة للشرب بفضاء وسط بين "أم لحبال" جنوبا، و"تيشيت" شمالا، وقد كان المكان المناسب للحفر بحسب هؤلاء هو "أبير الحلة" كما أطلق عليه أول يوم (93 كلم من أم الحياظ، عاصمة بلدية أم الحياظ اليوم).
شارك إلى جانب هؤلاء كما يقول سيد أحمد لكحل- وهي رواية يؤكدها سيديا ولد لمرابط ولد محمد الأمين – بادي ولد سيد أحمد لحمد (صهر باب أحمد ولد الحسن)، و"كيمل" وهو أحد الأرقاء المشهورين بالمنطقة فى تلك الفترة.
يقول سيد أحمد ولد سيد الأمين – وهو يروي لموقع آوكار نيوز- تفاصيل المشهد الذى أدرك بعض المشاركين فيه ، كان الشيخ سيداتي ولد الوداني هو من يتولي الحفر، وباب أحمد ولد الحسن و"كيمل" هما من يشرفان على توفير عروق الأشجار التى سيتم طيها لبناء البئر "أجلاي" لضمان عدم انهياره، فهو منطقة تربة بالغة الخطورة، بينما تولى ولد سيد أحمد لحمد توفير الطعام، وكان صيادا ماهرا فى تلك الفترة ، يجلب الحباري، والغزلان، ويتولى إنضاج الطعام للعمال طيلة أيام الحفر.
أستقر المقام بالأسر الثلاثة عند البئر المذكور (بير الحلة) لفترة طويلة، وبعد فترة من المقام حوله وقع خلاف أولي حول تسييره، فى ظل ضغط بعض الأسر الوافدة من أجل الشرب، كما ألتحق أحد رجال المنطقة يدعي " عالى ولد أبيهيم" بالحلة الوليدة وقرر هو الآخر حفر بئر فى المنطقة، ومعه "الشيخ ولد عالى ولد كنفود"، وهو ماتسبب فى تصاعد الخلاف حول البئر وآلية تسييره، ليحمل منذ تلك الأيام تسميته الخالدة "أبير الصكة".
غادر باب أحمد ولد الحسن المنطقة نحو الشرق (باطن ولاته)، حيث كان صهره يقيم فى المنطقة (محمدو ولد أحمد ولد الحاج "دد")، مع تصاعد الخلاف بينه وبين الحاضنة الإجتماعية (أولاد البح)، بعدما رفض الدخول فى "كتاب دمانه" . و"الكتاب" أو "الكناش" أسلوب عمد إليه المستعمر لضبط المجتمع وفرض الضرائب عليه، ومخاطبته عبر وكلاء يتعاملون معه، بعدما أستقر به المقام فى موريتانيا.
أختار "باب أحمد ولد الحسن" ومعه عدد من أقاربه مكاتبة حليف الأسرة ، ورجل المنطقة القوى ساعتها " سيدي أسقير ولد أشماته" وهو الكناش الذى جمع أسر "أهل أجديد" و"أهل باب" و"أهل الحسن" إلى غاية رحيل المستعمر عن موريتانيا 1960.
عاش باب أحمد ولد الحسن لفترة فى منطقة الباطن، ثم توجه شرقا، حيث أنتهى به المقام فى منطقة "أنبيكت لحواش" والمناطق المحيطة بها، وهنا أستقرت العائلة إلى غاية رحيله، مخلفا ولديه " محمد ولد الحسن" و"سيد أحمد ولد الحسن"، بينما أستقر صهره فى المنطقة الواقعة بين "بلدية الباطن حاليا وتيشيت.
أما ابن العم والحليف السابق، سيداتى ولد الوداني فقد أستمر لبعض الوقت فى منطقة آوكار مع أولاده " عابدين ولد سيداتي/ الداه ولد سيداتي/ الشيخ ولد سيداتي/ محمد المختار ولد سيداتى، قبل أن يقرر النزوح شرقا هو الآخر، بعدما باتت طريق "أولاد البح" سالكة نحو "أنولل" و"البدع" و"أكحوله" و"السيف لزرق"، وهنا توفي عليه رحمة الله.
ظل "أبير الصكة" أو "بير الحلة " سابقا ، أحد أبرز مصادر المياه العذبة بمنطقة آوكار طيلة العقود الثمانية الماضية، وبه أستقرت مجموعات جديدة من أبناء منطقة آوكار، وتصدر المشهد فيه خلال العقود الأخير بعض الثقات من رجال آوكار والوافدين من الشمال (آقريجيت والباطن) ، وأهتم الجميع بحفر الآبار، وتعمير المنطقة، وكانوا الملاذ الأشهر للعديد من أهل الحاجة وسالكى الطريق المعهودة للقوافل (الرفكة وأمرساله)، والعنوان الأبرز للإستقرار بالمنطقة والتمسك بها، رغم الجفاف الذى عاشته خلال العقود الخمس الأخيرة.
ومن أشهر الرجال الذين رابطوا عند أبير الصكة خلال العقود الماضية، واهتموا بتعمير المنطقة والإستقرار فيها، وكانوا عنوان الإستقرار بمنطقة آوكار : آكاط ولد حيمده عليه رحمة الله/ الدين ولد سالم عليه رحمة الله/ الشيخ ولد شينا عليه رحمة الله/ الفخر ولد آبه عليه رحمة الله/ لبات ولد محمد الشيخ أطال الله عمره/ أسبيع ولد الفراح أطال الله عمره/ سيدي محمد ولد حمن أطال الله عمره...
متابعة آوكار نيوز