تحالف دول الساحل والحسابات الخاطئة / سيد أحمد ولد باب

لم ترغب موريتانيا، وهي تترأس مجموعة دول الساحل الخمس التعليق على الأحداث المتسارعة بمنطقة الساحل منذ نهاية يوليو 2023 ، والسلوك الإستفزازي لبعض رؤساء دول المجموعة بإعلان تحالف دول الساحل من دون موريتانيا رائدة العمل المشترك بالمنطقة وأنجامينا ذات الأذرع العسكرية الضاربة وصاحبة قوات النخبة المعروفة بالشجاعة والإقدام والقدرة على خوض حروب الرمال المتحركة فى صحراء يتيه بها غير العارف بكواليس المنطقة والمتخم بقيم التضحية والفداء. لقد كان يوم السابع عشر من سبتمبر 2023 بداية لسلسلة من الإجراءات العملية الرامية إلى تحويل المنطقة من فضاء للتعاون والشراكة بين أبناء الإقليم الواحد، إلى أحلاف عسكرية وسياسية متصارعة، كل حلف فرح بما أستمال من أصحاب الحظوة والتأثير، داخل دول يعصف بأغلبها الإرهاب والفساد، وتزداد معاناة ساكنيها بفعل الإنقلابات العسكرية، والإنقلابات المضادة، والغموض الذى يلف مصير صناع القرار فيها.

ورغم الإجراءات التصعيدية من قبل بعض دول المنطقة تجاه المنظومة الدولية بالكامل، والحضور الفرنسى على وجه الخصوص، ورغم الضغوط الغربية الرامية إلى عزل باماكو منذ سيطرة الجيش – مدعوما من روسيا- على مقاليد الحكم فى البلاد، إلا أن موريتانيا ظلت ترفض سياسة المحاور، فلم تنخرط فى الجهود الرامية إلى تجويع الشعب المالى، ومحاسبة الباعة والمزارعين والتلاميذ والأطباء والنخبة المدنية على أخطاء أرتكبها بعض الضباط الشباب، أو غلق حدودها البرية فى وجه الحكومة العسكرية فى باماكو، رغم حصارها من قبل دول الإقليم كافة، لإجهاض الإنقلاب الذى قاده العقيد أسيمي غويتا قبل فترة. كما لم تجد نفسها معنية بالدفاع عن وجود القوات الفرنسية والأممية فى المنطقة. مكتفية بنشر المزيد من قواتها على الحدود، ووفية لخطها القائم على الدفاع عن أمنها بيدها لابيد الغير، لقد كانت متحررة من السطوة الغربية ولاتزال، وهي أول دولة طلب قائد جيوشها – دون الإعلان عن ذلك فى وسائل الإعلام- من قوات برخان الفرنسية سحب مستشاريه العسكريين من الأراضى الموريتانية قبل سنوات، بعد إعلان الإليزيه ذات مساء عن خوض قواته حربا فى الساحل للدفاع عن أمن ثلاثة من دول الإٌقليم (النيجر / مالي/ موريتانيا ، لقد كان حريصا على السيادة، دون إستفزاز للآخر، رافضا أن تكون أرضه فى الوقت ذاته لعبة بيد فلان أو علان) .

لقد كانت النظرة الموريتانية للعلاقات المالية محكومة بأواصر الأخوة والمحبة والعلاقات الضاربة فى القدم. تغذيها القدرة على تسيير ملفات معقدة وفهم واضح لقواعد اللعبة، فى بلد تجاوز مرحلة الإنقلابات العسكرية، وصراع المدنيين والعسكريين على مقاليد الأمور، وباتت ديمقراطيته الراشدة قادرة على فرض التناوب دون أي مشاكل، وخلق فضاء للشراكة بين كل مكوناته، بعيدا عن لغة التخوين والإستهداف والإقصاء وتغييب الصوت المعارض.

لقد سحب الفرنسيون قواتهم من مالى وبوركينا فاسو وهم فى طريق اتخاذ قرار مشابه فى النيجر، ولملمت المنظومة الدولية آخر أوراق الشراكة المحتملة مع الحكام العسكريين فى مالى، وأغلقت معسكرها، وأعادت أتشاد إنتشار القوات أتشادية فى ظرفية إقليمية معقدة، بعد أن فرض الماليون ذلك، تاركين خلفهم قدرا من التضحية فى جبال آفوغاس، لم تر الحكومة المالية الجديدة حاجة لحفظه وتثمينه، معتقدة – وهي خاطئة دون شك- أن المرتزقة الروس قادرون على ملإ الفراغ الذى تركه الأشقاء والحلفاء، وإسكات الأصوات الأزوادية المطالبة بالتحرير، أو تصفية الحركات الجهادية الحالمة بالإنتقام لقتلى الإجتياح الغربي والإيفريقى لشمال مالى منذ 2012، مستفيدين من عزل باماكو لنفسها عن محيط، شكل عامل إسناد وقوة لقواتها أكثر من مرة، وتولى عنها فى العديد من الأوقات سبر أغوار الجبهات الساخنة والتضحية بخيرة ضباطه وجنوده، والتصدى للإرهاب فى عقر داره، وضرب منظومته التحتية دون هوادة وشل قدرته على التحرك بأريحية، عبر القوة الناعمة التى يتمتع بها، والتأثير العابر للحدود.

لقد كان مؤلما لنا كجيران للشعب المالى ما آلت إليه الأمور من قتل وإستباحة للأراضى فى “غاو” و”تيمبكتو” و”ليره” و”جوارا” وأرشان” خلال الأيام الأخيرة، وتساقط معسكرات الجيس المالى أمام قوات “نصرة الإسلام والمسلمين”والجيش الأزوادي” وينتاب القلق كل الحالمين بغد أفضل لدول الساحل، من إنهيار الوضع الأمنى فى بلدان، تشكل عامل إطمئنان للكل، ونتقاسم معها الحدود والتاريخ والقيم والعادات، ونستشعر بألم كل مايمسها من أذى، ولو كنا غير قادرين على المساهمة فى إخماد الحريق الذى شب، بعدما أدارت لنا الظهر، وفتحت أبوابها للغير، وقلصت مساحة التحالف الذى تعتقد بأنه قادر على حماية أرضها ومؤسساتها السياسية والأمنية والإقتصادية، كما قال الرئيس الإنتقالى فى تغريدته يوم السابع عشر من سبتمبر 2023 حينما غرد قائلا” لقد وقعت اليوم مع رئيسي بوركينا فاسو والنيجرعلى ميثاق ليبتاكو-جورما لإنشاء تحالف دول الساحل بهدف إنشاء إطار للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة”.

لقد أستمعنا لوزير الدفاع المالى عبد الله ديوب وهو يتحدث بفخر عن الميثاق الجديد. قائلا إن “أي اعتداء على سيادة ووحدة أراضي طرف متعاقد أو أكثر يعتبر عدوانا على الأطراف الأخرى يستوجب تقديم المساعدة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه”. لكن ماتجاهله الوزير وهو يرسم ملامح تحالف هش ، أن شعب مالي والقائمين عليه يحتاج دوما إلى مساعدة طرف ثالث اسمه موريتانيا، أكثر من حاجته إلى إستجداء المساعدة من بوركينافاسو الباحثة عن تحرير أراضيها من قبضة القاعدة وأخواتها، أوالنيجر المحاصرة من أقرب المقربين إليها (نيجيريا وبنين)، إن من لايستطيع توفير الكهرباء للمنشآت الرسمية ولايمكنه فرض قراراته السيادية، يكون من العبث التفريط فى الشريك المجرب لصالحه، ومن ظن أنه بقرارات من هذا القبيل يمكنه حمل الموريتانيين على الإعتراف بالتغيير غير الدستوري الذى قاده جد واهم، تماما كما لايمكن للغير إستخدامها لتقويض الإستقرار فى دول الإقليم بدعوى فرض الديمقراطية وحماية المؤسسات الدستورية.

إن الأوضاع الحالية تتطلب من عقلاء المنطقة وشركائها المهتمين بإستقرارها التحرك بشكل فورى لمواجهة الأوضاع الحالية، والتحضير الجيد لقادم الأيام، فلن يستطيع الجيش المالى لوحدة الصمود أكثر من شهرين فى الشمال أمام الضربات المتتالية للحركات الجهادية بالساحل والحصار المفروض على تيمبكتو- إذا أستمرت الأمور على هذه الوتيرة-، ولن يكون للتحالف المعلن بين الدول الثلاثة من دور غير ماتم يوم توقيعه ( تشتيت جهود الحلفاء ودق إسفين فى سفينةى مشتركة بذل الكثير من الوقت والجهد والمال للنهوض بها) ، ونحن نعرف أكثر من غيرنا بأن القوات المالية إذا أمام الحركات الجهادية للمرة الثانية، فستكون المنطقة بالكامل أمام وضع جد معقد، وتركة ثقيلة لايمكن مواجهتها دون تقديم تكاليف باهظة فى الأرواح والمعدات. إن الحريق إذا أستفحل صعب إخماده، والبنيان الذى ستعيد بنائه إذا أنهار يجب عليك أن تتحرك لترميمه قبل إنهياره..