وقفة مع ديوان الشاعرة "باتة بنت البراء

مواطنون لكننا بلاوطن

ممتهنون لكننا بلامهن
محنطون غارقون في توابيت الزمن
وكلما مرت محن
كانت دمائنا الثمن !!

 

بهذه الكلمات المعبرة أختارت "أميرة الفقراء" الشاعرة الموريتانية "باتة بنت البراء" أن تبدأ ديوانها الشعري (أحلام أميرة الفقراء) قبل أن يتحول اللقب إلي موضة ديمقراطية يتلقب بها أعداء الأميرة والفقراء من الحكام وقاتلي الأحلام.

 

كانت الشاعرة الشابة آنذاك تكتب بصدق عن واقع مجتمع لما يتغر معلنة انتمائها الصادق وبحق للطبقة المحرومة محققة حلمها الرائع الذي صدرت به ديوانها الشعري معبرة عن أحلام الفقراء في زمن التمثيل..

حلمي الأكبر أني أعبر البحر وحيده
حلمي الأكبر أني أنظم الكون قصيده
مفردات رائعات ومعاني فريده
تزرع الخصب حداء في مجاهيل بعيده

ولم تكن تلك المجاهيل التي تحدثت عنها أميرة الفقراء سوي ربوع "السبخة" و"الرياض" و"توجنين" حيث يعيش أغلب أفراد الرعية كما الأميرة ينتظرون أحلام العيش الرغيد والأمان في عالم قرر صانعوه أن يختاروا كل سنة أو سنتين أبرع الممثلين لإدارة شؤون البلاد وإحكام القبضة علي العباد..

لكنها أحلام ماتلبث أن تزول ويكتشف أصحابها الحقيقة كما هي لا كما زينتها الشعارات الرنانة والمساحيق الخادعة،بعد أن يتولي أئمة الفقراء شرح الوضع القائم والتبشير بمستقبل لايقل سوء عن الحاضر الذي يعيشون فيه والماضي الذي حاولوا نسيانه ..

قال الإمام :
أما اللحوم فحرام أربعين
والماء والأرز وفضل الأكسجين
والشاي محظور عليكم منذ حين
وعندما يقترب اليوم السعيد
ستعرفون أن ربكم بكم عليم 
وأنه ولى عليكم أفضل الممثلين!!.

حقيقة لم ولن تغير من طبيعة الفقراء والبسطاء الحالمين بغد مشرق أى شيئ، فلاتزال الخصال النبيلة التي أكتسبوها تحكم حياتهم كل مساء، ولايزالون برغم اكتشافهم للحقيقة مثالا حيا علي الوفاء والتضحية في سبيل الوطن الذي آمنت الأميرة به ورعيتها به قبل أي شيئ ، ولايزال لديهم الإستعداد لبذل المزيد..

صحيح أن السنين تمر والهموم تتضاعف والممثل يتفنن في مخادعة منتخبيه لكن طبيعة الفقراء كمعادن الذهب تظل ناصعة من دون رتوش ...

وكلما مر العام بعد العام
ننسي الشراب والطعام
نفقد عادة الكلام
لكننا مواطنون مخلصون
لكننا مسالمون طيبون

جبن العاشقين !!

ولم تقف الأميرة والشاعرة الموريتانية باتة بنت البراء في (أحلام أميرة الفقراء) موقف المتفرج الراصد للأحداث والواقع المر أو السكوت علي الاختيار الخاسر الذي بموجبه تولى كبير الممثلين قيادة الرعية خلفا للأميرة ،بل راحت تندب حظها وتثير مكامن الرجولة والغيرة في نفوس عشاق الوطن والمترددين عن البوح بأحلامهم من أجل التعبير بصراحة عن رفض الواقع الذي بات السكوت عليه مشاركة في الجريمة.

عشقناك ما أجبن العاشقين
فرادي،حياري،نخاف الأنين
زرعنا الحراب بأربعنا
فرشنا التراب بأدمعنا
وعدنا اليك

لكن الشاعرة والأميرة وهي تقلب يديها حسرة علي مصير الوطن الضائع برغم جهود أبنائه لم تقف موقف المتفرج ولم تنس ومضات الفجر القادم وقد لاحت للسائرين مبشرة بشروق لاتكدره أوهام السلطة ولاظلم الوالي بعد أن أحتفظت جراب الأميرة ببذور الحياة رغم الجراح النازفة وشرارة الثورة علي الواقع الصعب المستترة ..

فبهذا الجراب بقايا من النبع
نبع الحياة 
له وضعت حليها
فأشرق قاع الغدير بزهر الشقيق
رمتني لتضمن أن تستمر البنات 
عطاء
ويبقي الرجال وفاء وحبا

وفاء أصطحبته الأميرة في حياتها الأدبية وهي تلاعب أحلام المحرومين وتستذكر كل عام كيف تضاءلت أحلام الوطن الكبير بعد عقود من الإستقلال وكيف تحول عشاق الوطن الكبير إلي سماسرة علي مسرح التمثيل يباركون باسم الشعب للجلاد.

لكن عزاء الأميرة أن الثامن والعشرين من نوفمبر لايزال حتي الآن هو العيد الرسمي للبلاد بما يعنيه ذلك من أمل في التجديد ورغبة في التواصل مع الماضي الذي حاول حكام اليوم قطع أواصر اللقاء معه...

يا أيها العيد جئت أنت في زمن 
ولي به الحب ،أمسي أهله ظعنا
وأروع الحب حب الأرض حين تعي 
أن المحب لها من طينها عجنا

نداء أميرة 

ولم تقف الشاعرة والأميرة باتة بنت البراء موقف الشاعر المتفرج أو النائح علي بطنه بين يدي الأمير الوهمي بعد انسداد الأفق السياسي في البلد وانتهاء الصراع لصالح "الممثلين" بل وجهت ندائها الشهير للطبقة السياسية باسم الرعية التي فوضتها بالكلام،وهو نداء قابل للترديد في كل جولة من جولة الباطل وما أحوجنا اليها هذه الأيام..

إلي الذين طردوني أوجه هذا النداء
لمن حبسو الماء عن شعبي وعن ناظري
أوجه هذا النداء
لمن جملوا تجاعيدهم ،برمل بلادي
بأسماكها،
بكل الأواقي التي جمعتها شيخة في الظلام
ألا أيها الغاصبون لخير بلادي
حرقتم بلادي
أضعتم بلادي
نهبتم بلادي
ولم يبق لدي غير فؤادي

 

سيد أحمد ولد باب