تناولت دراسة نشرها "معهد تمبكتو - المركز الإفريقي لدراسات السلام"، استراتيجية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، في منطقة "خاي"، المالية، والتي وصفتها الدراسة بأنها "مركز اقتصادي استراتيجي، فهي ثاني أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي المالي بعد باماكو"، كما أنها "تمثل نقطة تقاطع ثقافية وهجرية في المنطقة الصحراوية وفي غرب إفريقيا".
ورأت الدراسة أن هذا الموقع الاستراتيجي، المدعم بالقرب من الدول المجاورة والدور في ديناميات الهجرة عبر الحدود، يجعل منها منطقة رئيسية لاستقرار مالي والأمن في المنطقة غرب الإفريقية.
ووصفت الدراسة استراتيجية جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في المنطقة بأنها تقوم على "عملية زعزعة الاستقرار التدريجي، والهجوم على المصالح الاقتصادية الأجنبية"،
وتناولت الدراسة الآثار والتداعيات الفورية ومتوسطة الأجل للهجوم الذي تقوم به الجماعة ضد أمن الدول المجاورة لمالي، وخاصة موريتانيا والسنغال، فضلا عن التهديد الذي تمثله للاستقرار الإقليمي.
وأضافت أن الجماعة تتبنى استراتيجية متطورة تجمع بين الحصار الاقتصادي والهجمات الموجهة على البنية التحتية الاستراتيجية والإكراه لخنق الاقتصاد المالي وعزل العاصمة باماكو تدريجيا.
وأردفت أن الجماعة من خلال استهدافها منطقة خاي، وهي مركز اقتصادي حيوي يمثل حوالي 80% من إنتاج الذهب في مالي وعنصرا رئيسيا في ممر باماكو- داكار التجاري، تسعى جماعة إلى تعطيل تدفقات التجارة الأساسية التي تمثل حصة كبيرة من واردات مالي البرية.
كما تسعى من خلال فرض القيود على واردات الوقود واستهداف شركات النقل، إلى إقامة سيطرة اقتصادية موازية، وتعزيز قبضتها المالية من خلال الابتزاز والضرائب، حتى على الشبكات غير الرسمية.
وتحدثت الدراسة عن استغلال الجماعة الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية في خاي، بما في ذلك الصراعات الهيكلية المرتبطة بالعبودية القائمة على النسب والتوترات بين المزارعين والرعاة، لتضخيم الانقسامات المجتمعية وتسهيل التجنيد المحلي، على الرغم من أن هذا ما يزال محدودا بسبب المرونة الاقتصادية المرتبطة بالهجرة.
وتناولت الدراسة مساعي جماعة نصرة الإسلام والمسلمين إلى تثبيط الاستثمار الأجنبي، وخاصة الاستثمار الصيني، مما يضعف مالية الدولة، من الهجوم على المصالح الاقتصادية الأجنبية مثل مواقع التعدين في بافولابي، واختطاف الأجانب العاملين لدى شركات دولية،
كما تهدف من خلال استهداف رموز سلطة الدولة، وفرض شروط صارمة في مناطق مثل فارابوكو، إلى تقويض شرعية الدولة، مما قد يضعها كجزء من إطار حوكمة بديل، مع تجنب الأخطاء التكتيكية للجماعات الإرهابية الأخرى، مثل الاحتلال المطول دون دعم محلي.
وأشارت الدراسة إلى أن تداعيات هذه الاستراتيجية على السنغال متعددة، فتعطيل التجارة العابرة للحدود عبر ميناء داكار، يهدد الصادرات المالية (الذهب، والثروة الحيوانية، والأخشاب)، مما يزيد من تكاليف النقل وتكلفة السلع الأساسية.
كما تناولت تفاقم خطر تسلل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين عبر الحدود إلى شرق السنغال، كما يتضح ذلك من خلال أحداث ديبولي وميلغي.
وأكدت الدراسة أن الضغط على نيورو دي ساحل وهي مدينة مؤثرة في موريتانيا بسبب شخصية شريف بوي حيدرة، قد يسمم العلاقات المجتمعية عبر الحدود، كما تنذر هذه الديناميات بتعزيز الاتجار غير المشروع والعدوى الإقليمية، مع استمرار انعدام الأمن، ما قد يشكل ضغطا على القدرات الأمنية للسنغال.
وشددت الدراسة على أنه بدون تعزيز التعاون الإقليمي بين مالي والسنغال وموريتانيا، من خلال التركيز على تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتأمين الممرات الاقتصادية، ودمج مقاربات وقائية تراعي الديناميات الاجتماعية المحلية، فإن المنطقة ستواجه خطر تصاعد العنف، مما يعزز مستوى عدم الاستقرار.
وأكدت أن الاستجابة الفعالة تتطلب تعزيز آليات الوساطة المحلية في خاي، كتلك التي يقودها زعماء القرى والعائلات المحايدة، لتخفيف التوترات المجتمعية ومواجهة استغلال جماعة نصرة الإسلام والمسلمين للانقسامات الاجتماعية والمظالم الاجتماعية والدينية والاقتصادية.
وأردفت أن في ظل غياب مثل هذه التدابير، فإن تزايد انعدام الأمن والهشاشة الاقتصادية قد لا يعزل باماكو فحسب، بل يُهدد أيضا استقرار شبه منطقة غرب إفريقيا بأكملها.