رسم رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى ملامح حكمه خلال السنوات الخمس القادمة، وأختار الخروج من الدائرة الرمادية بكل وضوح، قبل ساعات من تشكيل الحكومة الجديدة. منهيا الجدل الذى حاول بعض السياسيين رسمه حول مدى صدقية الشعارات التى رفع فى الحملة الرئاسة، وإمكانية العدول عنها من أجل حل وسط بين مجمل داعميه من رموز الإدارة والسياسية وشيوخ القبائل ورجال الأعمال.
الرئيس الذى كان واضحا فى تعاطيه مع الوضع الداخلى، أختار أن يرسم ملامح حكمه خلال السنوات الخمس القادمة، وذلك قبل ساعات من تشكيل الحكومة القادمة، مع توديع غير ودى لأعضاء الحكومة الحالية، والذين حملهم مسؤولية التصويت العقابى الذى تعرض له فى الإنتخابات الرئاسية الأخيرة بشكل شبه صريح خلال الخطاب الذى ألقاه اليوم أمام الآلاف من رموز البلاد، وأكثر من 600 شخصية أجنبية حضرت مراسيم التنصيب بقصر المرابطون.
ويمكن الوقوف مع خطاب الرئيس عبر عشر نقاط أساسية :
لاحلول وسط مع الفساد والمفسدين
كان اللرئيس غاضبا وصريحا حينما تحدث عن الفساد والمفسدين، وخطر المنظومة الفاسدة على سير التنمية بالبلاد قائلا وبدون تردد " ستكون حربنا ضد الفساد حربا مصيرية لا هوادة فيها"، وبررا أسباب الغلئة فى الخطاب والمركزية فى الذهن للحرب الجديدة قائلا "لا تنمية، ولا عدل، ولا إنصاف مع الفساد، ومن ثم فلا تسامح معه مطلقا" ، وهو مايجعل من أبرز خصائص الحكومة القادمة ، قدرتها على المواجهة بصرامة لآفة الفساد وقمع المفسدين، بعيدا عن الأجواء التى روج لها البعض عبر تكليف شخصية مرنة، يمكن للكل أن يتعايش معها.
منظومة إصلاح متكاملة
يدرك رئيس الجمهورية وأختار أن يقول ذلك بوضوح أن الإنتصار فى حرب الفساد، والتمكين للمشروع الذى يؤمن به، لن يتم دون تعاون الجميع، وإصلاح المنظومة الإدارية والقضائية وإشراك الإعلام وصناع الرأي والتأثير فى المسار الذى قرر إطلاقه، تغييرا للعقليات وحماية للجهود المقام بها، وهو ينشد منظومة إصلاح متكاملة، ويمد اليد للجميع من أجل المشاركة فى الهدف النبيل الذى رسمه لنفسه من أول ساعة فى مأموريته الجديدة.
محورية الشباب .. ولكن ؟
جدد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى تعهده بأن تكون المأمورية الحالية للشباب وبالشباب، وهو مايستلزم أن تخصص المأمورية لصالح برامج تنفع الشباب العاطل عن العمل، وخلق فرص توظيف للآلاف المغادرين للجامعات نحو سوق العمل، وحماية الشباب من الإنحراف، وتشجيع الرياضة وتطوير الموجود منها، ومواجهة المخاطر التى يتعرض لها الشباب، وإشراك بعضهم فى تسيير البلاد، لكن دون أن تنحصر مأمورية الشباب – كما يحاول البعض تصويرها- فى تمكين الشباب من تسيير القطاعات الوزارية أو الإدارات العمومية، بعيدا عن هموم الشباب والبرامج القادرة على انتشال الآلاف من الشباب، بدل حسم مصير 30 أو 40 من الشباب فقط عبر وظائف حكومية عادية التأثير والمردودية، ومنهكة للشباب فة حالة الإخفاق فى القيام بالواجب، مع استحضار البئة الطاردة لكل مصلح، وانهيار الشباب أمام المنظومة الإجتماعية وإكراهاتها فور تسلمهم مقاليد بعض القطاعات الحكومية، وإنشغالهم عن التخطيط لإعطاء صورة حسنة عن قدرة الشباب على التغيير والإنجاز.
لذا تعهد رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى فى خطابه – وهو تعهد يقترب من التنصيص - على إنشاء جهاز إداري مدعوم بالإمكانيات الضروريةوالصلاحيات الواسعة، يعنى بمعالجة قضايا الشباب بكل أبعادها، وكذلك على إنشاء آلية لتنظيم خدمة تطوعية مدنية، تساهم في التأطير والتكوين وغرس قيم التآخي والمواطنة.
واقع الناس والخدمات الأساسية فى الداخل
لم يهمل الرئيس محمد ولد الشيخ الغزوانى وهو يستعرض أبرز ملامح المأمورية الجديدة واقع المجتمع الصعب، وضرورة التركيز على آليات جديدة لنفاذ السكان إلى الخدمات الأساسية المياه والصحة والتعليم، مع الإستمرار "في دعم برامج ومشاريع شبكة الأمان الاجتماعي للتحسين من جودتها ومن معايير استهدافها ولتعزيز تنوعها وشمولها،
كإحدى دعائم حربنا ضد الفقر والغبن والإقصاء، وسنضع تأهيل وترقية رأس المال البشري على سلم أولوياتنا في المرحلة المقبلة،
وفي هذا الإطار سنستمرفي مشروع المدرسة الجمهورية، ودعم المنظومة التعليمية، بتوسيع العرض، ورفع نسب النفاذ، وتحسين القدرة الاستيعابية، كما سنعمل على تنويع وتوسيع عرض التكوين المهني والجامعي".
وهي إجراءات مبررة كما قال رئيس الجمهورية وضرورية فى الوقت ذاته إذ لايوجد "أنجع من التعليم، والتكوين، والتأهيل في تغيير حياة الفرد والمجتمع إلى الأفضل".
الحوار والشراكة السياسية وربما ..
وقد أختار رئيس الجمهورية صعق بعض القوى الإقصائية الداعمة له بالذهاب إلأى حوار جديد مؤكدا تمسكه سأظل بمبدأ الانفتاح، والتهدئة السياسية والتشاور والنقاش واليد الممدودة على الدوام، لكافة مكونات الطيف السياسي .
وأعلن عزمه تنظيم حوار جامع للطيف السياسي. قائلا إنه يريد لهذا الحوار "أن يكون جامعا صريحا ومسؤولا، ولا يقصي أحدا ولا يستثني موضوعاجوهريا. كما نريده حوارا تترفع أطرافه عن المزايدات، والمشاكسات العقيمة، وعن الانسياق وراءالبحث عن تحقيق مكاسب شخصية أو حزبية ضيقة، على حساب الصالح العام المتوخى منه".
وهو إجراء قد يصدق المتداول من الأخبار عن عزم الرئيس الذهاب إلى انتخابات تشريعية وبلدية سابقة لأوانها، تلبية لدعوات كثيرة داخل الأغلبية والمعارضة، وحسما لملف برلمان لايشكل النموذج الأفضل بالنسبة له فى الوقت الراهن، خصوصا فى ظل توجهه الجديدة والمعارك التى قرر فتحها مع الدولة العميقة فى مجالات حيوية كمحاربة الفساد المالى والإدارى وإصلاح التعليم والعدالة.
الأمن والعدل ومحاربة العقليات الفاسدة
ولعل الفقرة التى أخذت من الرئيس بعض الوقت ، والموضوع الذى لامساومة فيه هو ضمان الأمن وحفظ الإستقرار ومحاربة التمييز على أساس اللون أو الطبقة الإجتماعية أو التساهل مع المنظومة التقليدية والنظرة الإجتماعية غير المضبوطة بضوابط الشرك الكريم ومقتضيات القانون ودولة المواطنة الكاملة.
وهو مادفعه إلى القول بأنه سيمنح " الأولوية لضمان الأمن والاستقرار لما يمثله ذلك كأساس وشرط لا غنى عنهما لإنجاز أي برنامج تنموي. وفي هذا الإطار، سنعبئ كل الجهود والموارد من أجل التنفيذ المحكم لمختلف جوانب استراتيجيتنا الأمنية المندمجة، وسنقف بكل حزم وقوة فيوجه كل ما من شأنه أن يخل بأمن واستقرار بلدنا".
والتأكيد فى الخطاب بشكل واضح على أنه سيعمل "باستمرار على توطيد الوحدة الوطنية واللحمة الاجتماعية من خلال التصدي لكل أسباب الفرقة وعدم الانسجام التي تتغذى من صور نمطية زائفة كالتراتبية الوهمية المقيتة،وكالتعصب القبلي والشرائحي الجاهلي،
ومن خلال السعي إلى تكريس مساواة الجميع فيالكرامة والحقوق والواجبات، وإلى توزيع أكثر عدالة للثروة وللفرص".
وكان حازما حينما تحدث عنها وصريحا فى مواجهة أي تهديد لها "إن لحمتنا الاجتماعية، ووحدتنا الوطنية، هما سدّنا المنيع وحصننا الحصين في وجه كل التحديات، ولن نقبل المساس بهما مطلقا تحت أي ظرف، ومخطئ جدا من يعتقد كائنا من كان أن بإمكانه بأي وجه من الوجوه وتحت أي يافطة أن ينال من وحدتنا ولحمتنا الاجتماعية.
سيد أحمد ولد باب / كاتب صحفى