قال مسؤول الشؤون السياسية في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الموريتاني "تواصل"، الدكتور محمد الأمين ولد شعيب، إن "نتائج الإنتخابات الرئاسية لم تمنح النظام انتصارا كاملا، وهو ما يفترض أن تتم قراءته من طرف النظام قراءة صحيحة وتدفعه لمراجعات جذرية وشاملة لسياساته ونهجه".
وحذّر ولد شعيب، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، من "خطورة استمرار النظام في نفس السياسات والممارسات السابقة وتكرار نفس الأخطاء، والدوران في حلقة مفرغة، وتدوير نفس المسؤولين المشكوك في نزاهتهم وأمانتهم، وهو ما من شأنه أن يخلق جوا من الإحباط واليأس قد يدفع البعض للتفكير في مسارات أخرى لا نتمناها لبلدنا ولا تخدمه".
وعبّر ولد شعيب الذي ترأس لجنة العمليات الانتخابية في حملة مرشح الحزب حمادي سيد المختار في رئاسيات 2024، عن أمله في "تجاوز الأزمة السياسية التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية بفضل حكمة ومسؤولية كل الأطراف"، داعيا الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى "المبادرة بإطلاق حوار وطني شامل في بداية مأموريته الجديدة".
وحول مشاركة القيادي في حزب "تواصل"، محمد غلام الحاج الشيخ، في الحملة الرئاسية لـ"ولد الغزواني"، أشار إلى أن هذا الموقف "محل متابعة من طرف الحزب، وسيتخذ فيه الإجراء المناسب وفق مقتضيات النصوص المنظمة لعمل الحزب".
ونفى تأثر حزب "تواصل" بالانسحابات التي شهدها على مدار السنوات السابقة، وقال: "رغم أسفنا الشديد على تلك الانسحابات، إلا أننا نسجل في نفس الوقت انضمامات كبيرة ونوعية للحزب في الآونة الأخيرة، وهو ما جسدته نتائج الاستحقاق الأخير، والذي أظهر زيادة في شعبية الحزب بنسبة تجاوزت الـ24% مقارنة بنتائج الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوبة سنة 2023".
نص المقابلة الخاصة مع "عربي21":
كيف تنظرون إلى النتائج التي انتهت إليها الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟
نحن في حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل" نميز بين السياق العام الذي أجريت فيه الانتخابات، والذي قلناه في أكثر من مناسبة إنه سياق مختل لم تتوفر فيه الشروط الضرورية لحرية وشفافية ونزاهة الانتخابات بحكم تأثير نفوذ الدولة ورجال الأعمال والإدارة والنافذين المحليين لصالح مرشح النظام، وضعف استقلالية هيئات الإشراف، وبين الجانب الفني من العملية وما تم يوم الاقتراع، والذي قلنا بأنه شهد تحسنا بالمقارنة مع انتخابات 2023، وكنّا بين خيارين: خيار الانسحاب من الانتخابات بناءً على ملاحظاتنا على السياق العام وبين الاستمرار في المسار والعمل على توسيع الهامش المتاح والدفع باتجاه تحقيق تحسينات على العملية، وهو القرار الذي تم اعتماده انطلاقا من مقاربتنا القائمة أصلا على مبدأ المشاركة والإصلاح المتدرج.
ومباشرة بعد إعلان النتائج المؤقتة من طرف اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بادر رئيس الحزب وزعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية، حمادي سيد المختار، بدعوة مرشحي المعارضة الأربعة الآخرين (وهم بيرام وقد حضر نيابة عنه رئيس حزب الرگ عمر ولد يالي، والعيد محمدن امبارك، وبا ممدو بوكار، وأتوما أنتوان سوماري)، وعرض الرئيس حمادي على المرشحين فكرة توحيد الموقف من الانتخابات، والعمل من أجل الوصول إلى أرضية مشتركة وموقف وسط، في هذا الموضوع. وبعد جولتين من النقاش في يومين متتالين تبينت صعوبة توحيد الموقف، خاصة في ظل حسم البعض لموقفه وإعلانه رفض النتائج والدخول في مسار احتجاجي.
وكان المكتب السياسي للحزب قد عقد دورة استثنائية لدراسة الموقف من الانتخابات تم فيها نقاش الموضوع من زواياه المختلفة، وخلص المكتب السياسي إلى تحديد إطار عام للموقف تم التعبير عنه في البيان الذي نشر وقتها.
وعموما، يمكن القول إن الانتخابات الأخيرة رغم أنها لم تعكس الإرادة الحرة للناخبين ولا المزاج العام للمواطنين، الذين ظهر جليا تطلعهم للتغيير، إلا أنها مع ذلك لم تمنح النظام انتصارا كاملا، وهو ما يفترض أن تتم قراءته من طرف النظام قراءة صحيحة وتدفعه إلى مراجعات جذرية لسياساته ونهجه.
ما موقفكم من رفض البعض لنتائج الانتخابات، وعلى رأس هؤلاء المرشح الرئاسي الذي حل ثانيا بيرام إلداه اعبيد، وفي ظل الأحاديث التي قيلت عن التزوير والمال السياسي وترهيب المواطنين؟
نحترم للمرشح بيرام إلداه اعبيد موقفه وقراره، ونشدّد على أن أمن البلاد واستقرارها وسكينتها يجب أن تكون فوق كل اعتبار، وأن المصلحة العامة للبلد يجب أن تكون فوق مصالح الأفراد والأحزاب، خاصة في ظل ما تواجهه المنطقة من تحديات واضطرابات، وفي نفس الوقت يجب أن يظل الحق في التعبير والتظاهر السلمي مكفولا للجميع دون المساس بأمن وممتلكات المواطنين.
أما بخصوص المال السياسي والتأثير على الناخبين بأساليب وأدوات مختلفة فهو أمر واقع ومُشاهد، ولا شك أنه أثّر على نتائج الانتخابات وجعلها لا تعكس حقيقة إرادة الناخبين ومزاجهم العام.
ما أبعاد الاضطرابات التي شهدتها البلاد في أعقاب الانتخابات الرئاسية؟ وهل انتهت تلك الاضطرابات أم إنها ربما تشتعل لاحقا؟
بدأت الاحتجاجات تخف في الأيام الأخيرة، وعاد المواطنون إلى عملهم بشكل اعتيادي والحمد لله. وأملنا أن يتم تجاوز الأمر وتعود الأجواء إلى طبيعتها.
كيف استقبلتم إعلان وزارة الداخلية الموريتانية وفاة محتجين أثناء احتجازهم، بعد أن نفذت قوات الأمن حملة اعتقالات جماعية في بلدة كيهيدي لاحتواء الاضطرابات؟
كان إعلان وفاة مواطنين أبرياء في أماكن احتجازهم صادما وبشعا، وقد عبّرنا منذ اليوم الأول عن تنديدنا بالحادثة ومطالبتنا بتحقيق شفاف وعادل في الظروف والملابسات التي اكتنفت هذه الوقائع وترتيب ما يلزم على مرتكبيها. ووجّهنا الدعوة في نفس الوقت للقوى السياسية، بالعمل في المشترك وجعل المصلحة العليا للبلد وأمنه واستقراره فوق كل اعتبار.
وزير الداخلية الموريتاني، محمد أحمد ولد محمد الأمين، قال إن "الأمن فوق الإنترنت، وفوق الديمقراطية، وفوق كل شيء".. ما تعقيبكم؟
لا جدال في أهمية مطلب الأمن وأولويته والمسؤولية في ذلك تقع أولا على عاتق الأجهزة الأمنية، وهي مطالبة بتحقيق ذلك المطلب بأرفق الوسائل وأقلها تأثيرا على حياة المواطنين وسبل معاشهم.
والمعروف أن الإنترنت أصبحت أداة لا غنى عنها في عالم اليوم، وأملنا أن تعود سريعا إلى العمل، وأن يتحمل الجميع المسؤولية ويتجنب كل ما من شأنه زعزعة استقرار البلد.
بعض الضحايا يعتزمون رفع دعاوى أمام المحاكم الأجنبية التي لها ولاية قضائية بهذا الخصوص.. ما موقفكم من تلك الخطوة؟
نأمل أن يكون جهازنا القضائي قادرا على القيام بما هو مطلوب.
ما تفسيركم للنتائج التي حصل عليها مرشح الحزب حمادي سيد المختار؟ وهل تلك النتيجة تعبر عن تواجد وتأثير "تواصل" في الشارع الموريتاني؟
النتائج التي حصل عليها مرشحنا رئيس الحزب وزعيم المعارضة الديمقراطية، حمادي سيد المختار، تُمثل جزءا من شعبيتنا ورصيدنا، وحضورنا في الساحة نجحنا في انتزاعه بوسائلنا الذاتية المحدودة، ولا تعكس هذه النتائج بالضرورة حقيقة حضورنا وشعبيتنا بحكم تأثير السياق الذي أجريت فيه تلك الانتخابات، والذي سبق وأن أشرنا إلى أنه كان مختلا ولم تتوفر فيه ضمانات الحرية والشفافية والنزاهة.
ومع أن النتائج المُعلنة من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات تعطي للمرشح حمادي سيد المختار الترتيب الثالث بعدد من الأصوات يصل إلى 126,340 ونسبة مئوية 12.8% إلا أن قراءة أفقية للنتائج تعطي صورة أدق لمستوى حضور وشعبية المرشح حمادي في مختلف مناطق الوطن، حيث إنه حصل على الترتيب الثاني في أربع ولايات من مجموع ولايات الوطن البالغ عددها 15 ولاية، وحل ثالثا في تسع ولايات أخرى.
كما أنه حصل على الترتيب الثاني في 29 مقاطعة من أصل 63 مقاطعة هي مجموع مقاطعات البلاد، وحل ثالثا في 20 مقاطعة أخرى، وعلى مستوى البلديات نجد أن المرشح حمادي حل في الترتيب الأول في بلدية لبحير في مقاطعة باركيول في ولاية العصابة، وحل ثانيا في 112 بلدية من 238 هي مجموع بلديات الوطن أي بنسبة 47% من البلديات، كما أنه حل ثالثا في 66 بلدية أخرى.
وعلى مستوى نتائج جالياتنا في الخارج، نجد أن المرشح حمادي حل في الترتيب الأول في دولة قطر في دائرة آسيا بنسبة 62.20%، والأول في غامبيا في دائرة أفريقيا بنسبة 38.13%، وفي الترتيب الثاني في كل من غينيا بيساو وساحل العاج.
كيف ترى مشاركة بعض قيادات حزب "تواصل" في حملة "ولد الغزواني" الرئاسية؟
لا علم لي بمشاركة قيادات من حزب "تواصل" في حملة ولد الغزواني غير الرئيس محمد غلام الحاج الشيخ. صحيح أن قيادات سبق لها أن انسحبت من الحزب كانت نشطة في حملة المرشح ولد الغزواني، وقد عبّرت عن هذا الموقف منذ البداية ومباشرة بعد انسحابها من الحزب، وهو موقف نحترمه لهم، أما بخصوص موقف الرئيس محمد غلام فهو محل متابعة من طرف الحزب، وسيتخذ فيه الإجراء المناسب وفق مقتضيات النصوص المنظمة لعمل الحزب.
ما أبعاد الانشقاقات التي تحدث في حزب "تواصل" من وقت لآخر؟
حزب "تواصل" لم يشهد انشقاقات والحمد لله، وما تم هو مجرد انسحاب قيادات من الحزب. صحيح أن من بين المنسحبين الرئيس الأسبق للحزب محمد جميل منصور وقيادات أخرى، الذين نحترم لهم قرارهم في النهاية، ورغم أسفنا الشديد على انسحاب هؤلاء القادة، إلا أننا نسجل في نفس الوقت -ولله الحمد- انضمامات كبيرة ونوعية للحزب في الآونة الأخيرة، وهو ما جسدته نتائج الاستحقاق الأخير، والذي أظهر زيادة في شعبية الحزب بنسبة تجاوزت الـ24% مقارنة بنتائج الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوبة سنة 2023، رغم العوائق والتحديات المشار إليها سابقا والتأخر في قرار الترشح الذي أثّر على مستوى الجاهزية والتحضير المطلوب لاستحقاق بهذا الحجم.
برأيكم، هل سيتم تجاوز الأزمة السياسية التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية؟ وهل هي أزمة كبيرة أم محدودة؟
نأمل أن يتم تجاوز الأمر، ونعوّل بعد الله تبارك وتعالى على مسؤولية كل الأطراف المعنية.
سبق أن عاش البلد أوضاعا مشابهة في انتخابات سابقة وتم تجاوزها بفضل حكمة ومسؤولية كل الأطراف، وهو ما نأمل أن يتحقق في الوقت الراهن.
هل تعتقدون أنه سيتم إطلاق حوار وطني شامل قريبا في البلاد؟ وهل تتخذون خطوات ما في هذا الإطار؟
عبّرنا في بيان المكتب السياسي عن الحاجة الملحة لحوار وطني شامل، وندعو النظام إلى المبادرة بإطلاقه في بداية مأموريته الجديدة.
ومن جهتنا، فإنه سبق وأن أطلقنا -من خلال مؤسسة المعارضة الديمقراطية التي نتولى رئاستها- حوارا داخليا مع جميع الأحزاب والتشكيلات المعارضة سعينا من خلاله إلى بلورة خارطة طريق للحوار والاتفاق على عناوينه الرئيسية والقضايا الكبرى التي يجب أن تكون محل نقاش وتداول في هذا الحوار، وتم استعراض عدة وثائق في هذا الصدد، ونعتبر أن هذا الجهد يمكن البناء عليه وتطويره ليكون أساسا ومنطلقا للحوار المرتقب.
كيف ترى موقف القوى الإقليمية والدولية من نتائج الانتخابات الرئاسية؟
بداية نحن في "تواصل" نعتبر أن الانتخابات شأن داخلي وأمر سيادي لا نقبل تدخل أي جهة خارجية فيه، ونفترض أن القوى الإقليمية والدولية يهمها أولا وأخيرا استقرار البلد ونجاح تجربته الديمقراطية.
أخيرا.. ما الذي ينتظر البلاد خلال المرحلة القادمة؟
نعتقد أن البلد اليوم وفي ظل نتائج الاستحقاق الأخير أمام مسارين: المسار الأول يتجه فيه النظام إلى مراجعة شاملة لسياساته السابقة بناءً على النتائج الضعيفة المحققة في الانتخابات وتطلعات المواطنين في التغيير، والمسار الآخر يتمثل في استمرار النظام في نفس النهج والسياسات والممارسات السابقة وتكرار نفس الأخطاء، والدوران في حلقة مفرغة، وتدوير نفس المسؤولين المشكوك في نزاهتهم وأمانتهم، وهو ما من شأنه أن يخلق جوا من الإحباط واليأس قد يدفع البعض إلى التفكير في مسارات أخرى لا نتمناها لبلدنا ولا تخدمه؛ إذ إنه لا بديل مضمونا وآمنا من وجهة نظرنا عن التداول السلمي على السلطة وبالوسائل الديمقراطية.
أملنا أن يتجه النظام إلى المسار الأول الذي تمليه مصلحة البلد وتستدعيه التحديات التي تواجهه محليا وإقليميا ودوليا.