من المتوقع أن يزور رئيس الجمهورية محمد ولد الغزوانى مقاطعة لعيون (عاصمة الحوض الغربى) يوم السابع والعشرين من دجمبر الجارى، وسط ركود سياسى كبير داخل الولاية التى كانت أبرز رافعة انتخابية للرجل فى آخر استحقاق خاضه، بعد حصوله على 70% من أصوات ناخبيها، وداعمة لوصوله للسلطة فى المأمورية الأولى، ومحسوبة على حزبه فى مجملها العام.
ورغم أن الطابع الرسمى للزيارة هو الطابع التنموى المحض، إلأ أن حجم الزخم الذى أخذته زيارة الرئيس قبل سنتين للمنطقة من أجل وضع الحجر الأساس لبعض المشاريع التنموية، وزيارته الأخيرة فى الحملة الإنتخابية الماضية، قد لايتكرر هذه المرة، بحكم الثقل الذى تحملته بعض الأطراف، والحصاد الذى آلت إليه الأمور مع فرز المرشحين للإنتخابات التشريعية والبلدية 2023 والتمثيل الحكومى للولاية 2024.
فالأحلاف القوية بالولاية أحست خلال الفترة الماضية بالغبن، من خلال حرمانها من حقها فى حسم بعض المقاعد المستحقة داخل حزب الإنصاف خلال ترشيحات الحزب الأخيرة، أو تمثيلها فى التشكلة الوزارية التى أفرزتها الإنتخابات الرئاسية لاحقا، كما أن بعض المشاريع الكبيرة التى أعلن عنها من قبل الحكومات السابقة لم تنفذ بشكل جيد، أو لم تر النور لحد الساعة ( توفير مياه أظهر لسكان المقاطعة المركزية/ سكن تآزر/ المستشفي الجهوي بلعيون/ مدينة بدر الجديدة بآوكار/ وبعض المدارس والمراكز الصحية المتعثرة منذ فترة).
ففى مقاطعة كوبنى وجدت الأحلاف الفاعلة نفسها عشية فرز المرشحين للإنتخابات التشريعية خارج الحلبة، لتختار مرشحيها فى النهاية من خارج حزب الرئيس (حزب الإنصاف)، بينما أستقوى خصومها – على ضعف التحضير والمواكبة للزيارة والعمل الحكومى- ببعض الإرث التاريخى الذى رسخه تصور تقليدي داخل الجهاز التنفيذى، يتعامل أصحابه مع الأسماء المتداولة عن الأحلاف أكثر من البناء على معطيات الأمر الواقع، وهو ما أدى لخسارة الحزب الحاكم معظم نتائج التصويت بالمقاطعة خلال الإنتخابات المذكورة (11 ألف صوت لصالح منافسيه من الأغلبية فى النيابيات وبعض المجالس المحلية بالمقاطعة).
كما تم استنزاف بعض المرشحين عن حزب الإنصاف الحاكم عبر تشجيع دوائر داخل الأغلبية الموالية للرئيس لبعض اللوائح الضرار، والسعي لإضعاف مرشحى الحزب فى العديد من المناطق ، كما حصل فى بعض المناطق التى تم فيها حسم المعركة مع الطيف المعارض (الطينطان/ لعيون)، وهو ما أثار الكثير من اللغط داخل صفوف الأغلبية، وعزز الإنقسام القائم منذ فترة بين رموزها، وحول معاركها الخارجية مع المعارضة إلى معارك داخلية، تأخذ تارة من النفس القبلى بعض ملامحها، ومن الصراع على القيادة داخل المجتمع الواحد مبررا للإستمرار والإستثمار فيها.
ومع نهاية الإنتخابات الرئاسية الأخيرة وجد رموز المنطقة أنفسهم فجأة مع تمثيل وزارى لم يحترم مجمل قواعد اللعبة المتعارف عليها، لقد أقصت التولفة الوزارية مجمل الأحلاف الوازنة بالساحة المحلية فى مقاطعات الولاية الأربعة، وأعادت جهود ونفسيات المهتهمين بالحراك السياسى بالولاية للنقطة الصفر، دون أن يصاحب ذلك تدبير حكومى يخفف من وطأة الخيبة الحاصلة فى بعض الدوائر الأخرى ( مستشاري الرئيس والوزير الأول وبعض المؤسسات العمومية)، وأكتفت الحكومة بالصمت الحاصل من كبار الفاعلين كتزكية للإجراءات المقام بها، رغم حالة الإحتقان الملاحظة فى العديد من الدوائر المحلية خلال الفترة الأخيرة.
يستبشر سكان البلاد عموما بكل زيارة يعلنها القصر الرئاسى لرئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى إلى بعض المناطق الداخلية، ولكن يتطلع الشعب فى المقابل إلى منجزات حكومية تترجم برنامج الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني إلى إجراءات ملموسة على أرض الواقع وتخفف من معاناة الناس بشكل مدروس، وتمنح النخب السياسية الموالية لها فرصة الدفاع عن برنامج الرجل ومواقفه أمام الجمهور الذى أختارهم لتسيير شؤونه، والمحاججة بمنطق يستند لقواعد "العدل والإنصاف"، إذا تعذر المنجز أو حالت بعض العقبات دونه، بدل تسيير الجهاز الإدارى والتنفيذي بمنطق "جندب"، وقراءة الوقائع لاحقا بشكل مغلوط.
السياسة فن والقيادة ثقافة
قبل أربعة أشهر أطل وزير الثقافة والعلاقات مع البرلمان الحسين ولد مدو على الجمهور ليكشف بعض ملامح النقاش الذى دار بين رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزوانى وأعضاء الحكومة الجدد، قائلا إن رئيس الجمهورية "شدد على أهمية الإلتزام السياسى ، معتبرا أن الإنضمام للحكومة تعيين فى منصب سياسى بامتياز، يقتضى من المعينين العمل وفق رؤية النظام والتمكين له والدفاع عنه".
ملامح لم يعرها أغلب الوزراء الجدد أي اهتمام، فلا اجتماعات سياسية، ولاتحمل للمسؤولية عن المنظومة التنفيذية التى ينتمي إليها، ولا أحلاف وازنة، ولاتيارات قادرة على التعبئة والتحسيس والدفاع عن النظام فى المنطقة التى يمثلها، بل إن البعض لم يستطع أن يقنع نفسه أصلا بقدرته على قيادة المنظومة الإجتماعية أو الجهوية التى ينتمى إليها، مكتفيا بما منحته الأقدار بشكل مفاجئ فى انتظار تدوير وزارى جديد يخرج بموجبه من المنظومة التنفيذية، أو التمديد له لحسابات لاعلاقة لها بالجهد المبذول أو الموقع داخل الخارطة السياسية المحلية.
لايرجع الضعف الملاحظ فى مواقع بعض الموزرين داخل الحكومة الحالية إلى نقص فى الصلاحيات أو تقييد بموجب التعليمات العليا، أو لحداثة فى السن أو الموقع الوزارى، لكن السياسة فى الأصل فن، والقيادة داخل المجتمعات التقليدية ثقافة، وصناعة السياسيين فى عالم تحكمه مقتضيات علم الإجتماع المعقدة، كتنفيذ المشاريع الكبرى فى بيئة هشة ومناخ غير مواتى. جهد يحتاج فى النهاية إلى الكثير من التخطيط والجهد والوقت والتكوين.
سيد أحمد ولد باب / كاتب صحفى